الخميس، 18 أغسطس 2011

بروباجندا مجانية



بقلم - أميمه العبادلة:

الحمد لله.. شعور جميل صاحبني منذ الأمس ونشوة رائعة تجتاحني.. الحمد لله زالت كل الهموم كالحلم.. من كان يصدق؟!! ما عاد عندنا استيطان.. وما عادت القدس بأقصاها تعاني زلازل الحفريات.. وما عاد المقدسيون يشكون الأرنونا.. وحتى أنهم لا يبيتون ليلهم كنوم الذئب بعين مغمضة والأخرى مفتوحة خشية مباغتتهم بطرد وشيك من منازلهم.. وانتهى الانقسام الجغرافي بين الضفة وغزة والقدس وصفد.. والسياسي بين فتح وحماس.. والعنصري بين لاجئ ومواطن.. الجميع الآن معه عضوية فلسطين فقط..

وانتهت مشكلات البطالة للخريجين والشباب.. وعاد للوطن جميع شبابه الذين هاجروا للدول الأوروبية وكندا وأستراليا.. والحمد لله أن الأجداد كانوا محتفظين بمفاتيح دورهم القديمة فها قد عادوا إليها..

وأطبائنا من أروع ما يكون يعالجون بمنتهى الحرفية والمهارة دون أية أخطاء تشخيصية طبية.. والرواتب ما عادت مجتزئة بل أنها تزيد عن حاجة المواطن الذي لا يعلم كيف يصرفها فيعيدها للدولة مرة أخرى.. والتعليم مجاني في منتهى الرقي وصعد بنا بين عشية وضحاها لنكون في مصاف الدول المتقدمة في العالم الأول..

بالمناسبة لم أخبركم أننا اعترفنا رسميا، بعد طول مباحثات، بالأمم المتحدة وسمحنا لها بالعمل.. و.. كفى حتى لا تصيبنا عين حاسد لم تصلي على النبي.. عليه أفضل الصلاة والسلام..

ومن شدة الرفاهية التي وصلنا لها إثر انعدام مشاكلنا واختفاء جميع الملفات الشائكة من أدراج مكاتب السادة الوزراء ومعالي القضاة والسيد النائب العام حفظهم الله.. فإن العمل اقتصر على متابعة المحتوى الفني التلفزيوني وتقييمه.. الحمد لله دائما وأبدا..

هذه بشرى خير وبركة، عسى أن يتم تفعيل وزارات أصابها ركود طويل كالثقافة والإعلام في ظل هذا الرخاء.. أخيرا انتهى ذاك العصر الذي سيطرت فيه السياسة على كل شيء وحرمت جوانب اجتماعية وثقافية وفنية ورياضية من التعرض لها بشكل ملائم..

لكن ما أزعجني حقا بكل الأسف أنه نزلوا بمستواهم الكريم لمستوى محتوى كوميدي خفيف لا يتعدى كونه مجموعة اسكتشات منفصلة متصلة.. هدفها الأول الضحك.. وهدفها الثاني العمل كمرآة مكبرة تعكس شيئا من الواقع..

المحتوى.. ركيك.. بسيط.. ساذج.. بجهود بدائية.. هل عمل تافه كهذا يستدعي أن يقلق منام السيد النائب الفلسطيني العام.. ليستيقظ قبل موعده في نهار رمضان شهر الصيام والقيام ليصدر بيانا في مجرد مسلسل ويأمر بوقفه..!

ما حدث أن النائب العام أثار عاصفة اهتمام من الداخل والخارج حول المسلسل.. حتى المعارضون له لا حديث لهم في المقاهي والطرقات والحافلات وعلى الفيسبوك إلا هو.. وانشغلت الفضائيات الكبيرة كالجزيرة والعربية والحرة وهيئة الإذاعة البريطانية بالحديث عنه والالتقاء بالقائمين عليه.. يعني ساهمتم بشكل مباشر وغير مدروس بالترويج للمسلسل ورفع لأسهم صناعه.. خصوصا أن لا منع فعلي يتم في عصر اليوتيوب وعصر الفيسبوك وجوجل وتويتر..

مادام منسوب الوعي الثقافي عال إلى هذا الحد.. لماذا لم يهتم أحد بإيقاف مسلسل في حضرة الغياب الذي أجمع الكل أنه شوه تاريخ محمود درويش الذي أكسب الوطن ذكرى واسما وكان للحرف الفلسطيني قدسا وللمثقفين قبلة.. وتشويه تاريخه صاحبه تشويه لتاريخ فلسطيني عريق وقيم مجيدة..!
لست أدري هل أنا من لم يفهم المغزى من قرار المنع أم أنهم لم يفهموا الفكرة من البرنامج.. ما أعرفه أن فن الكاريكاتير هو من أشد أنواع الفن التي تحمل نقدا لاذعا.. وكم أودى الكاريكاتير بحياة رساميه كناجي العلي ذات مساء بارد في شوارع لندن..

يعمد الكاريكاتير إلى عنصر المبالغة الشديدة كأن يطيل الأنوف وينفخ الكروش ويقصر الأرجل.. وكل عمل منهم له مدلول ومعنى..

وطن ع وتر أحال الكاريكاتير من على الورق إلى صورة مجسدة أمام الكاميرا..

لسنا ملائكة.. جميعنا يعلم بأننا لسنا ملائكة.. المشاكل والفساد أمور واقع وموجودة.. شعوب بأكملها انتفضت رفضا لها.. لم ننتفض.. عبرنا بنكتة عنها.. لست أدافع عن  المسلسل فلست أعرف أيا من القائمين عليه ولكن أدافع عن فكرة .. المسلسل اتبع أسلوب المبالغة لينبه عن مشكلات معينة.. الأمر إلى حد ما يشبه الحالة في أن أخبرك بأن فلان جريح.. قد لا تكترث للأمر.. لكن إن أخبرتك أنه قد مات فأنت ستنتفض من داخلك بلا شك.. المبالغة والتهويل هي طرق إعلامية ودعائية معمول بل وتدرس في الجامعات أيضا.. وفي ظل موت الإحساس الإنساني نحتاج إلى توجيه صفعات قاسيه بعض الشيء.. لعل بعضا من الأموات ينتفض جراءها..

ما يدور ضمن حلقات وطن على وتر هو أقل بكثير مما يدور في الشارع الفلسطيني.. لكن يبدو أننا تآلفنا مع الأقنعة والنفاق والكذب ومسح الجوخ .. بل ومسح "الأحذية"..

إن لم تعجبكم فكرة المسلسل أو البرنامج أو القناة بأكملها بإمكانكم اختيار قناة أخرى.. لسنا في زمن القناة الواحدة.. بل في زمن آلاف الفضائيات المتخصصة والعامة.. والشعب عام 2011 ليس بالغبي الذي بحاجة لوصي عليه وإلا فإنه لن يتقدم يوما ما لم نمنحه الثقة اللازمة لنجبره من خلالها أن يحافظ ويعتز بهذه الثقة..

بالمناسبة: سمعت جملة مضحكة يرددها الجميع كالببغاء بلا وعي.. لا تتابعوا ما يبثه تلفاز العمالة.. وصفا لتلفزيون فلسطين.. ما رأيكم أن تتذكروا معي حالكم قبل 15 عاما من الآن.. قبل عصر الفضائيات.. كان التلفاز الوحيد هو التلفاز الإسرائيلي.. الذي كان الجميع يتابعه بنهم.. والشعب حينها كله كان يتصف بالنضال والمقاومة والترابط والفخر والعزة.. "والحذق يفهم" كما يقول أخواننا المصريون..