الخميس، 7 مايو 2015

أسماك الفيلية "مسرطنة".. دول الجوار منعتها وغزة تنتظر التحاليل!!




الرأي – أميمه العبادلة:
مشهد طبيعي، في غزة، أن تجد المواطنين متوافدين على شراء الأسماك المجمدة بينما تكون ساحة المشهد شبه خالية في أماكن بيع الطازج، والسبب ضيق ذات الحال وعدم مقدرتهم على الشراء، في ظل ارتفاع الأسعار وشح الأسماك الطازجة جراء تكالب الحصار "الإسرائيلي" المفروض على القطاع منذ أكثر من ثمانِ سنوات، واستهداف الصيادين، وأزمة حكومة الوفاق التي لم تعترف بموظفي ووزارات غزة بعد وما تبعه من أنصاف مرتبات غير المنتظمة، حالت بينهم وبين شراء أساسيات صاروا يعتبرونها رغما عنهم من الكماليات.

قد يتبادر إلى أذهاننا تساؤلات على شاكلة: ما مدى جودة هذه المجمدات؟ وكيف نتأكد أنها صحية رغم أنها مستوردة من الخارج وهذا يستلزم وقتا طويلا لنقلها عبر البحار؟ وهل لدى الجهات المختصة القدرة على فحصها ومراقبها بالشكل الذي يضمن صلاحها لنا؟ وما سبب منع دول الجوار، مؤخرا لاستيرادها؟



لذيذ ورخيص

حاولنا استطلاع آراء المواطنين بعجالة حول مدى إقبالهم على شراء المجمدات من أسماك ولحوم والتي تزداد تزامنا مع قرب شهر رمضان، وما السبب الكامن في تفضيلهم لها على قرينها الطازج:

قال الحاج أبو علي: "إن اللحوم المجمدة رخيصة الثمن وفي متناول اليد وهي تتناسب مع أوضاعنا الاقتصادية الصعبة"، متابعاً: "لو أن ظروفنا المادية أيسر حالا لما تناولنا إلا الطازج".

كان رأي السيدة منى مختلفا، حيث أخبرتنا: "لا أدخل اللحوم المجمدة إلى بيتي مهما كان لأنني أخاف من مصدرها ومن سوء تخزينها، أما الأسماك المجمدة فنتناولها بكثرة خصوصا الفيلية الأبيض لزهد ثمنه من ناحية ولسهولة إعداده من ناحية أخرى، خصوصا أنه يناسب الصغار لعدم وجود الحسك به".

من جهتها قالت السيدة ميار وهي أم لطفل حديث الولادة: " أنا أحب السمك كثيرا لكن ظروفنا المادية صعبة للغاية وزوجي عامل متعطل عن العمل حاليا، وأنا أعمل في مؤسسات لمشاريع قصيرة الأمد، لذلك من الصعب شراء السمك الطازج فنلجأ للمجمد لرخص ثمنه"، مستطردة: "منذ يومين كنت أشتري السمك مقطوع الرأس أو ما يعرف بـ"البكلاه" وتفاجأت بوجود بقع ملونه داخل اللحم وأنا أنظفه لكنني خجلت من إرجاعه للبائع مرة أخرى ولم أدري ما كان ذاك؟!".

أما طارق فيؤكد أنه معتاد منذ صغره أن يتناول الدجاج البلدي الذي تربيه والدته في حديقة المنزل معللاً أنه يعرف جيداً نوعية الغذاء المقدم له ويضمن خلوه من الإضافات والهرمونات، أما بالنسبة للأسماك فوجهة نظره أن البحر طاهر يطهر كل ما فيه.

أما منى صالح فأكدت أنها عزمت على أن لا تشتري من أسماك "البكلاي" مرة أخرى لأنها شاهدت نوعا من الطفيليات كالديدان الصغيرة داخل اللحم وقالت: "هذه الأمور لن يلاحظها إلا من يعرف شكل الطفيليات وهذا له علاقة بدراستي، وعندما بحثت على الإنترنت صُعقت مما شاهدته من مصادر هذه الأسماك وكيف أن كل الدول الأجنبية والعربية منعت استيرادها تماما".



التأمين

أكد رئيس مجلس إدارة شركة الدمياطي للمواد الغذائية خميس الدمياطي لـ"الرأي" على أنهم يستوردون الأسماك واللحوم من الهند، وفيتنام، والبرازيل، والأرجنتين بموجب ما تسمح به السلطات الإسرائيلية، قائلا: "نحن نتعامل مع شركات تصدير ومصانع للمواد الغذائية بموجب تعاقد وتأمين يحميني كمستورد من أي خلل أو ضرر في المنتج، والباقي من مسئوليات وزارتي الصحة والاقتصاد".

وأضاف الدمياطي: "عادة تحتاج الشحنة لما يقارب الـ40 يوماً في البحر لتصل إلى غزة، مع التزام الشركة المصدرة بتوفير التبريد والتجميد اللازم لحفظ الأسماك والمجمدات من التلف"، مردفا: "يهمني أن تكون المواد الغذائية التي أقوم باستيرادها سليمة وصحية تماما أولا من أجل الحفاظ على سمعتي في السوق المحلية، ومن ثم لسلامة وصحة أبناء بلدي وأخوتي".

أما عن آلية اختيار المنتج وإعداده للاستيراد، قال الدمياطي: "ذهبت للمصدر مرة واحدة واتفقنا على الآلية والكمية التي نحتاجها، ومن ثم وقعنا عقد دائم"، مكملا: " أتواصل مع المصدر هاتفيا لطلب شحنات جديدة، نظرا لصعوبة السفر بسبب إغلاق المعابر معظم الوقت".

من جهته قال مدير المشتريات في الشركة إسماعيل الدمياطي: "نسافر كلما سنحت الفرصة لحضور مؤتمرات ومعارض دولية في دبي، وألمانيا، وفرنسا، وهناك نجتمع برؤساء شركات عالمية، ونكتفي في حينه على عقد صفقات لاستيراد منتجات غذائية، حيث أن إغلاق المعابر المتواصل يحول بيننا وبين التواصل ومتابعة كل شركة على حدى في البلدان المختلفة".



حقائق صادمة

ما لا يعرفه الكثيرون في قطاع غزة أن الأسماك المجمدة والموجودة بكثرة في أسواقنا الغزية تم منعها مؤخرا من قبل أغلب الدول العربية بعد ظهور المحامي الأردني طارق أبو الراغب الذي فجر تحقيقاً استقصائيا مدعما بالوثائق والحقائق أثبت أن جميع أسماك الفيلية، والأسماك مقطوعة الرأس المستورد من دول كـ: الأرجنتين، والبرازيل، والصين، وفيتنام يتربى في مجارير ومكبات للنفايات الصلبة، ومسرطن، وغير صالح للاستهلاك الآدمي.

كان لهذا الأمر تأثير قوي بحيث قامت الأردن بمنع استيراد أسماك الفيلية وأسماك الباسا مقطوعة الرأس والمعروفة لدينا باسم "البكلاي" تماماً، وأتلفت السلطات اللبنانية، تِباعاً، 60 شاحنة قبل ستة أشهر من الآن، وتلتها دول الخليج في المنع.



بداية القصة

بداية القصة مع المحامي الأردني طارق أبو الراغب، كما رواها لـ"الرأي": "منذ أكثر من عام وأنا أبحث في ملف الغذاء والدواء مع المختصين لصالح برنامج محلي كنت أقدمه في الأردن، يتحدث عن أسباب انتشار كثير من الأمراض المستعصية، والخبيثة، وأمراض الضعف الجنسي"، مكملا: "هالني كيف أن النسب تفوق الـ 80% بسبب الغذاء الفاسد في الوطن العربي، هذا الأمر دفعني للبحث لأكتشف أن العرب يقتلون يوميا بالغذاء أكثر من الحروب، وكان الغذاء المستورد هو السبب في انتشار السرطان، ونقص فيتامين ب12، وهشاشة العظام وغيرها من أمراض العصر".

أكد أبو الراغب أنه من خلال بحثه وتقصيه ميدانيا اكتشف وجود ما يسمى بسوق قمامة عالمي يبيع للعرب، فقط، من الخليج إلى المحيط، وأن الموردين هم ذاتهم لكل البلدان العربية، لافتا النظر إلى أنه وجد أن أسماك الفيلية تُربى في أكثر أنهار العالم قذارة، حيث أن النهر المذكور يعتبر مكب لمخلفات المصانع، ومخلفات البشر العضوية.

ويصف أبو الراغب هذا السمك قبل تقشيره بأنه كالـقمامة وحتى يتم تصديره يقوم المردون بتنظيفه وتبييض لحمه داخل فيتنام باستخدام بمادة تسمى (ملاكايت جرين)، موضحا أن هذه المادة ممنوعة عالميا، لأنها سبب رئيس للسرطان.

وقال أبو الراغب: "فحصت هذا السمك على نفقتي الخاصة فكانت النتيجة أنه مسرطن بنسب مسممة وعالية جدا، أما بالنسبة للسمك مقطوع الرأس يتم استيراده من الأرجنتين ذات الشواطئ الملوثة وتقوم الحكومة هناك بدفع مال للتجار لتنظيف الشواطئ من وجوده لكن التجار الانتهازين يأخذوه ليباع للدول العربية غير مكترثين بالأثر السلبي له".

خطورة هذا الأمر دفعت الحكومة الأردنية لمنعه تماما، كما وسارت لبنان، وباقي الدول على ذات الخطى، وأبو الراغب مصر على أن الأمر ما هو إلا استهداف ممنهج للمواطن العربي، متسائلا: "كيف تمنع إسرائيل استخدام مادة الببسين في البيبسي وتسمح لنا باستيرادها واستخدامها؟!، كما أن هذه اللحوم التي نتحدث عنها لا تباع في أسواقها ولافي الأسواق الأوروبية، بينما تدخل بتسهيلات كبيرة لأسواقنا العربية، أليس في هذا ما يدعونا للتساؤل؟!".


الملاكايت جرين

قبل الخوض في سؤال جهات الاختصاص كان لا بد من البحث مليا عبر شبكة الإنترنت عن مادة الـ (ملاكايت جرين Malachite Green) فوجدنا عدة أبحاث ومواقع علمية رسمية تعرفه بأنه عامل مضاد للفطريات يستخدم لتطهير الأحواض المخصصة لتربية أسماك الزينة، ولم يوافق عليه دوليا ليستخدم مع الأسماك المعدة للاستهلاك الآدمي نظراً لأن هذه المادة مسرطنة وسامة، حيث يزول أثره بعد فترة بينما يبقى تأثيره في الأنسجة اللحمية للسمك.

وتؤكد الأبحاث العلمية، التي اطلعنا عليها، وجود عواقب صحية سلبية خطيرة من استهلاك البشر للأسماك التي تحتوي على كميات ضئيلة من هذه المادة، كما وبينت هذه الدراسات أن كندا تحظر هذه المادة تماما منذ عام 1992. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية حظرت استيراد أي أسماك من الصين وتايوان منذ عام 2005 لذات السبب.

ما قام أبو الراغب بعرضه عبر الشاشات من عينات مطابق تماما لما هو موجود فعليا في أسواقنا الفلسطينية من أسماك الفيلية المعبأة في الأكياس الزرقاء والبيضاء، والأسماك مقطوعة الرأس والتي تدل على أن المصدر واحد عندنا وفي الأردن، ولبنان، ودول الخليج. وعليه، كان من الضروري طرح الأمر على المسئولين عندنا للوقوف على ردة فعل الحكومة.



منعنا وأفرجنا

لزيادة التأكيد هاتفنا د. محمود حميد رئيس قسم مراقبة الأغذية في وزارة الصحة، فكان رأيه أن تربية أسماك الفيلية في برك خاصة لتتغذى من الطبيعة أمر عادي، أما بالنسبة لمادة (ملاكايت جرين) فيرى أنها مادة مطهرة والخطورة منها إن استخدمت بتركيز عالٍ، فقط.

وقال د. حميد: "لقد أثير هذا الموضوع قبل نحو عامين وقمنا فعليا بإيقاف دخول الأسماك المجمدة حتى يأتي لنا كل مستورد ببيانات وثبوتيات تؤكد سلامة الصنف المستورد، وعندما لم نستطع أن نثبت شيئا تم السماح مجددا"، مشيرا إلى أن المعمول به في غزة هو الاعتماد الجانب الإسرائيلي والعينات التي يأخذها للتأكد من سلامة المنتج وصلاحية استهلاكه آدمياً.

وقال د. حميد: "الجهة المسئولة في وزارة الصحة تقوم بإجراء نفس الفحوصات، لكن للأسف لا توجد لدينا تقنية فحص تحدد المواد السمية في اللحوم"، مطمئنا المواطنين أنه متى ما ثبت العكس فإن المنع قرار لا هوادة فيه.

ولفت د. حميد أن وزارة الصحة قامت سابقاً بمنع استيراد هذا النوع من الأسماك المجمدة منذ عدة أعوام إثر انتشار مرض في الصين، ومنع استيراد اللحوم إبان فترة انتشار مرض جنون البقر، لكن تم السماح مجددا بعيد انتهاء سبب المنع مع اشتراط الوزارة أن يحصل المستورد على إثباتات من المذابح والمصانع في الخارج فنيا ورقابيا وبيطريا ودينيا تفيد بملائمة المنتج".


نحتاج للتطوير

في سياق متصل، أكد مدير عام الخدمات البيطرية في وزارة الزراعة د. زكريا الكفارنة على وجود برنامج مراقبة سلامة الأغذية لدى الوزارة، قائلا: "لا يتم الاكتفاء عادة بالشهادات المرفقة بل يتم إجراء تحاليل مكروبيولوجية قبل السماح للمنتج الغذاء بالدخول للقطاع، لكن المختبرات الطبية في غزة بحاجة ماسة للتطوير وهذا ما يدفعنا بالاستعانة بمختبرات خاصة في الجامعات، أو عن طريق منظمة الصحة العالمية".

وبين د. الكفارنة أن حجم الاستيراد في قطاع غزة يبلغ حوالي 4000 طن موزعة ما بين 3000 طن لحوم مجمدة و1000 طن أحشاء داخلية، مرجعا سبب استيراد الأسماك للحصار، واستهداف الصيادين الأمر الذي حد من صيد الأسماك الطازجة ودفع المواطن للتعامل مع المجمد منها.



تحت المجهر

وفي السياق ذاته، تلقينا ذات التطمين من قبل وكيل مساعد وزارة الاقتصاد الوطني د. عماد الباز، بأن جميع المواد الغذائية المجمدة والمستوردة من الخارج تمر بالفحوصات اللازمة في مختبرات خاصة وتابعة للوزارة، مؤكدا على أنه يتم التحفظ وإتلاف أي كمية يثبت بالفحص أنها غير صالحة.

وأصر د. الباز بقوله: "نوع الفحص عندنا يحدد هل هي صالحة للاستهلاك الآدمي أم لا، وعادة لم نعهد وجود مشاكل بهذا الخصوص من قبل، ولو ثبت لنا وجود الضرر ولو بنسبة بسيطة فلن نسمح بإدخال أي منتجات وسيتم محاسبة المسئولين"، منوها إلى قلقه من خطورة الموضوع المطروح ووجوب متابعته بجدية وحزم.

وعزا د. الباز تقصير الوزارة في متابعة التجار وعملية الاستيراد من المصدر بسبب الاحتلال، والحصار، والظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها وزارات قطاع غزة، لافتا إلى أن المعمول به في "إسرائيل"، على سبيل المثال، أن يسافر التاجر برفقة مندوب حكومي، ورجل دين للبلد المنوي الاستيراد منه للتأكد من أن الذبح يتم وفقا للشريعة الخاصة بهم.

ووافقه الرأي مدير عام حماية المستهلك، ومؤسسة المواصفات والمقاييس في وزارة الاقتصاد الوطني د. رائد الجزار بأن الوزارة عكفت حاليا على إجراء فحوصات مخبرية لعينات عشوائية للتثبت من صلاحية هذه الأسماك، لافتا أن هناك تعاون مشترك بين وزارة الاقتصاد ووزارتي الصحة والزراعة بهذا الخصوص، وستكون خلال الأيام القادمة ورشة عمل تضم التجار والمستوردين سيتمخض عنها نتائج وحلول جذرية.

قبل أن تُلام وزارة بعينها يتوجب على أصحاب القرار في المجلس التشريعي الإيعاز بسن قوانين وتشريعات صارمة بحق أصحاب رؤوس الأموال من التجار المستوردين للبضائع كي يستوردوا سلعاً ذات مواصفات وجودة لا تقل عن المستوى الطبيعي للدول المتقدمة، بحيث تتناسب مع المواطن ولا تضر بالصحة العامة دون أن تخالف المواصفة الفلسطينية.


مع عدم التذرع بضيق الأحوال الاقتصادية التي تحول دون استطاعة المستهلك شراء الطازج والاستعاضة عنه بالمجمد رخيص الثمن، فهذا يكبد الحكومة أموالا طائلة تُدفع لعلاج الأمراض المستعصية كالسرطان، والكبد الوبائي، وغيرها في مستشفيات الخارج؛ في حين أن الوطن أولى بهذه الأموال لبناء جيل صحي وسليم يخلو من الأمراض.

السبت، 12 يوليو 2014

غزة تتوهج بنار حرب مسعورة.. ونور شهداء أبرياء

غزة تتوهج بنار حرب مسعورة.. ونور شهداء أبرياء

الرأي – أميمه العبادلة:
لرمضان هذا العام، في غزة، طقوس خاصة جداً لا تشبهها فيها مدينة أخرى. الأجواء هنا فريدة من نوعها لدرجة أن لا وصف يجزئها: لا رسامين، ولا شعراء، ولا كتبة. ربما يحتاج المرء أن يعيش الحدث من ألفه إلى ياءه في بث مباشر لعله يستطيع استيعاب ما يجري من جنون ينص على أن غزة فيها 121 شهيداً و924 جريحًا ثلث مجموعهم من الأطفال.

عادة تُسمع أصوات الخلق تعلو في هذا الشهر الفضيل بقراءة وذكر وصلاة. أما في غزة فالأصوات تعلوا بالبكاء والصراخ والنشيج طلبا للنجدة، متزامنة مع أصوات قصف لصواريخ ثقيلة يستهدف بها الطيران الحربي الإسرائيلي أرواحاً بريئة لعائلات وأطفال يحلمون بغد سيشترون فيه بالونا، أو فانوسا، أو قطعة حلوى.

فانوس رمضان
وعلى ذكر فانوس رمضان فقد استغنى عنه أطفال غزة التي بات ليلها مشتعلا من جذر البيوت حتى عنان السماء جراء ذات القصف الغاشم.

ثريا ذات الخمسة أعوام تحلم بفانوس رمضان، تهرع لوالدها تطلب منه فانوساً فيصرخ في وجهها: "من أين ونحن لم نتسلم رواتبنا منذ ثلاثة أشهر، لا مال معنا لنأكل وأنتِ تفكرين بالفانوس!". ترجع أدراجها منكسرة الخطى لتخلد لنوم يسعفها بحلم فيه فانوس. وما أن تغط في النوم وقبل بداية الحلم الجميل تصحو فزعة من بكاء أخوتها، وصراخ أمها، والدم على ذراع والدها وشظايا زجاج النوافذ في أرضية غرفتها. إنه قصف ما قبل النوم الذي يهد به طيران العدو الحربي مهد أطفال غزة وذويهم.

المضحك المبكي أن تجد إسرائيل تستهدف أطفالا، ونساء لا حول لهن ولا قوة، وحتى أمواتا ًفي مقابر تحلل كل من كان مدفونا فيها. لحظات الضحك المر التي يُصبر الغزيون بها أنفسهم فيبتكرون طرفة يتندرون بها علها تخفف عنهم جزءا من مصابهم الجلل فيقولون: "نحن شعب الجبارين من أطفالنا وحتى أمواتنا، إسرائيل تخشانا جميعا". كان هذا عقب قصف على مقبرة الساحة التي تقع وسط قطاع غزة وأخرى في مدينة خان يونس جنوبا.

رنين
عائلة تقليدية ومسالمة جدا تكونت عندما تزوج الشاب جودت عبد الغفور من أمل العبادلة (26 عاما) قبل ثلاثة أعوام واكتملت فرحتهما برنين التي أضاءت لهما الحياة بالفرح والبهجة. وحملت أمل للمرة الثانية إنه صبي هذه المرة، هكذا قالت الطبيبة، ومن المتوقع أن تلد امل بعد رمضان.

المسكينة حركتها ثقيلة وهي في شهرها الأخير. من الصباح الباكر هبت لتعد مستلزمات اليوم من غسيل وخبز وطبخ، جلست قليلا لتلتقط أنفاسها، تداعب رنين، وتمسد على الجنين في رحمها، وتسرح بخيالها كيف ستكون ملامحه. سمعت جلبة في الخارج وفرقعة وأصوات مختلطة تناديها يبدوا أنه قصف وشيك. اجتهدت أن تقف وتحمل ابنتها لتهرب لمكان آمن، لكن الطائرة الحربية النفاثة كانت أسرع من هروبهم، فاستهدفتها ورنين والجنين في أحشاءها دون ذنب سوى أنها حلموا بالغد الجميل سوياً.

للبيت رب يحميه
مشهد آخر تعيشه غزة بتناقض غير مفهوم. رجال يمشون في رحاب الله يقصدون بيوت الله تنافساً وطلباً للرحمة والغفران والرضا والثواب والعبادة في الشهر الكريم، في المقابل نرى الطيران الحربي الإسرائيلي دون سبب وتحليل مفهوم يستهدفهم بيوت العبادة في أوقات الصلاة وكأنه يسعى لمبارزة الله في بيوت الطهر وأرض الرباط ليروع آمنين مأمومين.

"يعلمون أن الله أكبر وأقوى منهم ويعلمون أننا مع الله دوما وأنه كلما دعوناه ورجوناه نصرنا عليهم لذلك افتعلوا قصف المساجد ليثنونا عن اللجوء لله، لكن هيهات فكل هذا يقربنا من الله أكثر ويقوي عزيمتنا وبسببه تغلي بداخلنا الرغبة للذود عن الدين والمقدسات" هذا ما قاله الشيخ أبو إياد إسماعيل أحد رجالات الدعوة في جنوب قطاع غزة.
رعب يتلوه رعب وخفقات في القلوب تتسارع والكل مشدوه ومرعوب وخائف ولسان حاله المرتعش يسأل ما الهدف التالي. الجميع يعرف أن الكل البريء مستهدف في هذه الحرب الشعواء التي لم تذر إلى الآن بيتا آمنا، ولا طفلا نائما، ولا شيخا خاشعا، ولا أماً مكلومة بفقدان بيتها ورب عائلتها إلا واستهدفته. وما أكثر الأهداف الخاطئة عندنا والتي تتم بدم غاية في البرودة دون أدنى تبرير أو اعتذار بـ"عذرا لست المطلوب" أو اكتراث للقيمة الإنسانية.

عذرا.. لست المقصود
كما حدث مع الشهيد د. أنس أبو الكاس الذي كان للتو عائدا إلى بيته، من عمله في مستشفى الوفا لخدمة العجزة والتأهيل الطبي، في منطقة الأبراج بجوار ملعب برشلونة وسط أكثر الأحياء السكنية اكتظاظا في قطاع غزة. قبل ابنه الصغير اطمئن على زوجته وما أن استدار حتى باغته صاروخ إسرائيلي بشكل مباشر فخطفه لما بعد السماء. الخطأ كان أن الصاروخ يستهدف جمعية لتيسير الزواج في الطابق الذي يعلوه مباشرة.

عموما لسنا نعتبر أبو الكاس إلا محظوظا فلقد استشهد في رمضان، وكان ذا سيرة عطرة أمضاها في خدمة المرضى والمحتاجين، وأيضا لقد لحق بعائلته التي استشهد كل من فيها باستهداف ظالم من آلة الحرب الإسرائيلية أثناء الحرب على غزة 2008، وبقي هو وحيدا حينها.

سؤال..؟!!
وما زالت آلة الحرب الإسرائيلية تتخبط في مهاوي الردى لقلة حيلتها وغرورها وانعدام إنسانيتها باستهداف الأطفال وبيوت العبادة والنساء والمسنين والمؤسسات الخيرية التي تخفف عن الناس وطأة الحصار واشتعال الأسعار وغياب المرتبات. ولشدة غطرستها تلوم علينا أي محاولة للدفاع المشروع عن النفس والأرض والعرض ردا على كل هذا الهجوم العنيف وغير المبرر.


بودي لو أن أحدا يسأل بنيامين نتنياهو سؤالاً: "تخيل، يابيبي، لو انك في بيتك الوثير مع زوجك وأطفالك تجلسون بدفء، ثم تباغتكم عصابة وتهاجمكم وتجذبكم من ياقاتكم السوداء والحمراء وتطردكم خارجا وتستولي على المكان بفرض القوة، ماذا سيكون ردك حينها.؟! وتخيل لو انك تقدمت ببلاغ للشرطة لإثبات  الحق والحالة فاعتدوا عليك وأوسعوك ضربا وصلبا وشنقا، كيف سيكون حالك حينها..؟!!"

الخميس، 10 يوليو 2014

"الجرف الصامد" غول يقض مضاجع أطفال غزة

"الجرف الصامد" غول يقض مضاجع أطفال غزة

د. الطهراوي: الحرب تؤثر على نفسيات الكبار فكيف الحال مع الصغار؟!


غزة - أميمه العبادلة:
كُنت أظن الغول في روايات الأمهات القديمة لأطفالهن خيالي، لكني صرت في كل ليلة حرب على غزة أزداد إيماناً أن الغول مخلوق حقيقي، ويحاول التجمل بارتداء عباءة للتمويه اسمها إسرائيل غير أن أفعاله الشنيعة تدل عليه.
جميع مسلسلات الحرب الهمجية على غزة -التي لا تكاد تنتهي حتى تبدا مرة أخرى- لها مسميات غريبة وقميئة كقماءة الغول نفسه: الكرة المتدحرجة، أمطار الصيف، أيام الندم، الجحيم، الرصاص المصبوب، عامود السحاب، الجرف الصامد، وغيرها.

سنموت..!
"هل سنموت جميعاً..؟!" سؤال صادم من الطفلة (روان 4 أعوام) والتي من المفترض أنها أصغر بكثير من أن تعي قصص الموت. صمتُ أمامها، ونظرت لأمها التي ردت على حيرتي بتنهيدة حارة وقالت لي: "اسأليها ما الذي سيحصل للأطفال في غزة!". كانت إجابة روان غريبة ومدهشة لمثل سنها، قالت: "إسرائيل ستقتل أهلي وأهل جيراننا وكل الأهل وسنبقى نحن الصغار وحدنا، سنضيع وسنشحذ على الطرقات وأخوتي الأولاد سيصبحون مجرمين لأن أهلنا سيكونون قد ماتوا ولن يكون لنا بيت".

أما مها فتعاني من بداية الحرب مع طفليها التوأم حديثي الولادة، تقول: "إنهما يبكيان بصورة غير طبيعية مع القصف، وكأنهما يفهمان شيئا، حاولت وضع القطن في آذانهما لتخفيف حدة القصف على مسامعهما لكني أشعر أنه دون فائدة أمام البكاء والحالة العصبية الغريبة التي تنتابهما سويا وفي وقت واحد هذا يجعلني أجلس بجوارهما عاجزة وأبكي أنا أيضا خوفا عليهما وخوفا من قلة حيلتي".

تصف لنا أم (أحمد 10 أعوام) سلوك ابنها في الحرب: "بصراحة أنا قلقة عليه، أراه يتسمر أمام شاشة التلفاز بمجرد وصول الكهرباء لبيتنا ويتابع ما تنقله وسائل الإعلام حول استهداف المدنيين والأطفال وهو فاغر فاه ومشدوه تماما بحيث لو أنني أنادي عليه فلا ينتبه.. ويستمر هكذا حتى تنقطع الكهرباء بعدها يتقوقع في زاوية المجلس ولا ينطق بكلمة حتى أنه يظل صامتا حين القصف، وكلما حاولت إخراجه مع والده للصلاة كالعادة يبدأ في البكاء والتوسل أن أبقيه عندي" مشيرة إلى أنها تسمعه يهلوس وهو نائم بكلمات متقطعة وغير مفهومة لكنها تدل على أنه يتصارع مع أحد في المنام".

ألعاب نارية
أبو محمد يخبرنا عن ابنته (ملك 5 أعوام): "بمجرد سماعها لصوت القصف حتى تتسمر في مكانها وترتعد أطرافها وكأنها في القطب المتجمد وتبوء كل محاولاتي وأمها في إلهائها عن القصف.. حاولت أن أغريها بالحلوى وأتحايل عليها بأن ما تراه ألعاب نارية كالتي في العيد وأنهم يطلقوها الآن لأجل رمضان لكن على ما يبدوا أنها لا تصدق هذه الحيلة"..

"المشكلة، والحديث هنا لأبو محمد أن أختها التي تكبرها بعام صارت من بداية الحرب تتبول لا إراديا أثناء نومها وهو أمر كانت قد كبرت عليه.. هذه الحرب ستدمر نفسيات أبنائنا".

"(ليان 3 سنوات) تستيقظ  من نومها بمجرد سماع صوت الطائرة وتتشبث بي بكل قوتها وهي تصرخ بابا قصف". هذا ما أخبرنا به والدها الذي يحاول طمأنتها وهو يخشى أن يؤثر الأمر على سلوكها ونفسيتها فيما بعد لذلك يحاول أن لا يعرض الأخبار أمامها حتى لا تتأثر نفسيتها أكثر نظرا لأنها في أكثر السنوات خطورة والتي فيها يتم تحديد شخصيتها مستقبلاً.

ذكاء فطري
استضفنا د. جميل الطهراوي أستاذ الصحة النفسية المشارك بالجامعة الإسلامية والذي وضح لنا بدوره أن التعامل مع الأطفال لا يحتاج لدراسات وإنما يحتاج لذكاء فطري من قبل الأهل حول كيفية التعامل السليم مع الأطفال في ظروف كالحرب مثلا، واصفا الحرب الحالية بالمخيفة والمرعبة وغير المسبوقة: "لقد رأينا حروبا كثيرة لكن مثل هذه لم نرى، وحتى العالم كله لم تمر عليهم ظروف كظروفنا، حتى نحن الكبار نخاف، فما حال الأطفال؟!".

ويؤكد د. الطهراوي على أن  تدخلات الأهل من الممكن أن تخفف حدة التوتر والقلق عند الأطفال، مقترحا طرقاً علمية-نفسية من شأنها مساعدتهم في مثل هذه الظروف، على سبيل المثال: "اللعب مع الأبناء وإلهائهم عن ما يحدث بالخارج، اجتماع العائلة كلها والتعامل مع أمر القصف كلعبة بالتهليل جماعيا كلما وقع صاروخ للتغطية على صوت القصف من جانب ولتجاوز فكرة الخوف من جانب آخر".


ويشدد د. الطهراوي على أن يتفادى الأهل متابعة الأخبار أو مناقشتها أمام الصغار وعدم التعرض لقصص الأطفال الجرحى والشهداء في الحرب. حيث أن إدراكهم للأمور يختلف عن الكبار، وهذا من شأنه أن يؤثر سلبا على سلوكياتهم وهو أمر نسبي يختلف من حالة إلى أخرى فقد يصبح الطفل عدوانيا أو قد يصبح جبانا أكثر من اللازم. مهيبا بالآباء عدم الانفعال وإبداء العصبية أو الخوف أمام أطفالهم وعدم التحجج بسوء الأوضاع السياسية والاقتصادية نظرا لأن بساطة الأطفال يرضيها أي فعل مرح وبسيط كلعب الأب مع أبناءه وملاطفتهم..

الاثنين، 7 يوليو 2014

حصار غزة.. غول يلتهم أمل مرضى السرطان بالشفاء

حصار غزة.. غول يلتهم أمل مرضى السرطان بالشفاء

د. الخزندار: الجانب الإسرائيلي يسعى لأن يكون القطاع متأخرا طبيا وعلميا


الرأي – أميمه العبادلة:
اختناق يملأ أرجاء المكان.. وحشرجة عويل لجمع نسوة اتشحن بالسواد.. وطفلة في الرابعة عشرة تجلس في زاوية المكان تبكي فراق والدها بحرقة وتجمع بين ذراعيها 6 من أخوتها الصغار الذين فغروا أفواههم بدهشةِ غير المدرك لما يدور حوله.. وأخوها ذو 16 عاما ضائع بين أن يبكي خوفاً من غد بلا سند له، أم يصمد لأنه رغما عنه صار رجل البيت..؟!! والأم غائبة عن الوعي بعد أن فقدت شريك عمرها وسيد قلبها..
هم عائلة (س. ك. 36 عاماً) الذي قضى نحبه بعد أن ذاق الأمرين لمدة 7 سنوات من المعاناة مع مرض السرطان الذي استوطن رأسه فأرداه صريعاً..

خذلان
حين أخبر الطبيب المعالج (س. ك.) بمرضه نبهه أن لا إمكانية لعلاجه في قطاع غزة لندرة الأدوية التي تعالج هذه الحالات وكان الخيار المطروح أمامه إما أن يحصل على تحويلة لمستشفى في إسرائيل، أو إلى جمهورية مصر.. ولوطنية (س. ك.) المفرطة ولعروبته، ما رضي عن مصر بديلاً.. لكن عروبته خذلته كما خذل العرب فلسطين كلها من قبل.. فأخبار المعابر لازالت تشير إلى أنها مغلقة حتى إشعار آخر.. ولو تم السماح للحالات الخاصة مره فإنه لا يتم السماح لهم ثاني مره.. وكثيرا ما كان يتم تعطيلهم وتأخيرهم؛ الأمر الذي بموجبه تزداد الحالة سوء ويزداد المرض تغولا..
هذا ما حدث تحديدا مع (س. ك.) والذي حينما كان قاب قوسين أو أدنى من الشفاء بعد جلسات طويلة من تلقي جرعات العلاج الكيميائي والعلاج بالإشعاع غَلَّقت مصر معابرها في وجهه وحرمته من نيل حقوقه البدائية في الحياة..
تأخر (س. ك.) ثلاثة أشهر عن تلقي الجرعة اللازمة فتدهورت حالته لقاع الوجع.. فُتح المعبر أخيرا لكن بعد فوات الأوان.. المريض آنف الذكر فارق الحياة مخلفا وراءه ضعافاً يرتعدون من صقيع المستقبل المجهول أمامهم..

نفس المصير
كان ومازال الحصار هو العدو اللدود والمتواطئ ضد شفاء (س. ك.) وآلاف مثله.. (هـ. ع. 24 عاماً) تجلس في زاوية أخرى في نفس بيت العزاء السابق بصمت ودموع متحجرة، إنها تخشى أن تلقى ذات المصير.. بيوت العزاء أحيانا تزيد الألم ولا تنقصه..
(هـ. ع.) هي الأخرى مصابة بالسرطان منذ عامين ومضى عليها شهر وهي تنتظر الموافقة على تحويلها إلى مستشفى المطلع بالقدس لتلقي جرعات الإشعاع اللازمة.. ومازال أمر سفرها وعلاجها مجهولاً.. صوت الطبيب وهو يحذرها من انتشار المرض لو تأخرت عن تلقي العلاج لا يفارق مخيلتها.. ترمق أولادها الأربعة بحسرة وتتنهد وكأن لسان حالها يقول أخشى عليكم أن تبكوني غداً بعد الرحيل كما يفعل أولاد جارنا اليوم..

مأساة أخرى..!
لم ينتهي مسلسل الدراما التراجيدية مع المرض بعد، فغزة مكتظة بهذه القصص.. كمأساة عائلة السيدة (أ. ب. 45 عاماً) التي انقلب فرحها لعزاء مر..!
احتملت (أ. ب.) ألم جرعات العلاج الكيميائي، والإشعاع، والجرعات الهرمونية، لفترة طويلة بعد عملية معقدة لاستئصال الثدي المصاب بالمرض عينه، احتملت كل شيء لتنال الشفاء والصحة في النهاية.. وما لبثت أن تنهي من أخذ نفس عميق بعد مشوار طويل ومؤلم، ولم تنعم بعد بتهنئة أسرتها وأحبتها حتى أصيبت على غفلة منها بصداع لا يقاوم..
علمت بعدها أن المرض انتشر في رأسها.. كان الأمر مباغتا وسريعا ولم يمهلها كثيرا من الوقت.. "الحالة حرجة" كما يقول الطبيب: "وتستلزم تحويلا فوريا لخارج البلاد".. هرعت عائلتها لاستخراج تحويلة إلى إسرائيل التي رفضت دون إبداء أسباب، ومصر أوصدت الطرق المؤدية إليها، والحصار فعل فعلته الشنيعة وتواطئ مع المرض الذي نال منها وأجهز عليها..

ضاع العمر يا ولدي..!
بعد محاولات مضنيه هنا وهناك تمكن (ح. ع.) وزوجته (ن. ع) من أن ينالا لقب بابا وماما أخيراً.. فقد رزقهما الله بـ (علي) الجميل.. كان ذكيا جداً بعيناه الزرقاوين، وشعره الأشقر، ومرحه الذي لا يقاوم..
حدث أن تعرض علي وهو في السابعة من عمرة لجرح بالغ جراء اللعب مما استدعى الطبيب المناوب لإجراء جراحة بسيطة له.. إلا أن الأمر لم ينتهي هنا، بل كانت هذه البداية.. تكون التهاب على الجرح وتطور الأمر بالتدريج حتى صار خلل في الخلايا وتكون السرطان بإرادة الله.. نقص الأدوية، وأغلاق المعابر، والحصار الذي كان الغول الهارب من الأساطير القديمة، كلهم اغتالوا براءة (علي) غير مكترثين لنحيب والديه المكلومين..
ومات علي، وأحمد، وعبد الله، ونهى، وسارة، وميار، ويوسف، وما زال الغول يحمل مقصلته متربصاً بفلذات أكبادنا وأحبتنا فهل من مغيث..؟!!

رأي الطب
يقول الدكتور زياد الخزندار استشاري الأورام والباطنة والمدير بمجمع الشفاء الطبي: " هناك نقص حاد في العلاجات الخاصة بمرضى السرطان وما تبقى في المخازن لا يكفي لكافة المرضى، فمستشفى الشفاء وحده به أكثرمن4100 حالة وجميعها تحتاج لجرعات مجدولة وأي خلل أو تأخير في تلقي هذه الجرعات يكلف المرضى حياتهم"..
ويوضح د. الخزندار أن المشكلة بالنسبة لأمر علاج المرضى تتركز باتجاهين: استلزام استصدار (نموذج رقم-1) أو ما يعرف بـ(التحويلة) وهو ما يكلف وزارة الصحة فعليا مبالغ باهظة جداً وقد يتكرر طلب التحويلة أكثر من مره.. والمشكلة الثانية مع الجانب المصري الذي يواصل إغلاق المعابر المنفذة إليه مما يحرم كثيرا من المرضى من تلقي العلاجات اللازمة هناك وهو ما يؤدي بالضرورة لتدهور صحتهم..
وردا على سؤالنا حول البديل عن السفر للخارج، أكد د. الخزندار على أن هذا الأمر شبه مستحيل نظرا لأن القطاع الصحي هنا يفتقر بشكل كامل للأدوات التشخيصية كالمسح الذري، وPET CT scan؛ كما أن العلاجات الإشعاعية، والعلاج باليود لا تتوفر مطلقا.. منوها: "الجانب الإسرائيلي يسعى لأن يكون القطاع متأخرا طبيا وعلميا لنكون في حاجة إليهم على مدى السنوات ويواصلوا تحكمهم في حياتنا"..

أما بالنسبة لحكومة التوافق ودورها في تفعيل التواصل بين وزارة الصحة في رام الله وقطاع غزة فيبدو أن الأمر مازال حبرا على ورق، حتى أن شحنات الأدوية التي تصل لا تكفي فعليا ولا تغطي كامل حاجة المرضى.. لذلك نهيب بوزارة الصحة للعمل سريعا لحل أزمة المرضى عموما في قطاع غزة، ومرضى السرطان تحديدا..

الخميس، 15 أغسطس 2013

لا أحد يكره إسرائيل

بقلم – أميمه العبادلة:

موضوع يراود أفكاري منذ مدة، ويعبَثُ بها.. وأحاول جاهدة ردعه لكنه أقوى من أن يُردع ببساطة هكذا.. الأنكى أن كل دقيقة تمر يحدث فيها ما يزيده تأصيلاً في تُربة أفكاري يوماً بعد يوم..

ملخص الفكرة أنني فعلياً، وجمع مثلي، لا نصدق أبداً "الثرثرات العربية" الجماعية أو الفردية حول فكرة الكُرْهُ العربي لما يسمى بـ إسرائيل والإسرائيليين.. ولعل السبب في ذلك عائد على تراكمات لأفعال ومشاهدات متواترة منذ بدء تكون إدراكنا وحواسنا، وفي غالبها تتلخص في مانشتات لأخبار مختصرة من قبيل:

شجب واستنكار عربي لحرق الأقصى.. صمت عربي إزاء جرائم الاحتلال اليومية.. تمادي في بناء مستوطنات دون تدخل قوي رادع.. الفتوى بتحريم زيارة الأقصى لغير الفلسطينيين -حتى يتحرر من تلقاء ذاته-.. مباحثات سرية لزعماء عرب في تل أبيب.. هبوط طائرة مروحية لابنة زعيم عربي سراً في إسرائيل.. تطبيع اقتصادي مع إسرائيل.. تهديد إسرائيلي بأشرطة فضائح جنسية ووثائق بيع لأراض عربية نفذها زعماء ومسئولون عرب.. تورط فنانين عرب في قضايا جاسوسية لصالح إسرائيل.. شراء أمير عربي لـ فيلا في إسرائيل، أسهم إسرائيلية في شركات فنية وإعلامية عربية.. وهلمجرا، وجميعكم تتابعون مثلها وأكثر..

في الحقيقة إن الرفض العربي لإسرائيل، فعلياً، ليس موجوداً إلا في السينما المصرية.. وحتى هذه، والتي تأخذ دور ممرض متطوع في تضميد بدائي لجراح ملتهبة، ليست سوى وسيلة مثيرة لغرائز التعاطف لدى جمهور متعطش لحل خيالي وسريع.. فيربح بمفعولها شباك التذاكر أكثر..

أما على المستوى السياسي فلا شيء من ذلك سوى مباحثات، ومهاترات، وتنازلات من الجميع دون استثناء..

لست متحاملة، ولست متشائمة وليست هذه المشكلة الوحيدة فقط، بل المشكلة أن جيل الزعماء المتخاذلين والمخذولين في آن واحد أنتجوا لنا جيلاً فاشلاً مثلهم لا يعرفون من كرههم لإسرائيل سوى حمل اللافتات بملابسهم الأنيقة لتكون الصور الفوتوغرافية التذكارية بهية، وبعض هتافات تقليدية ترددها ألسنة كألسنة الببغاء سرعان ما تلتهي وتنتهي بانتهاء المشهد المعد بإتقان مسبقاً..


حسناً لن أجمعَ الكل في ذات البوتقة القاسية هذه، ولن أتهم الجميع بالفشل الذريع في إفراز كم الكره المرجو صوب عدونا الأول كعرب وكمسلمين.. سأستثني بأمانة من رحم ربي، وهم في غالب الأمر إما في السجون كأسرى لدى إسرائيل وفي غياهب الجب في الدول العربية.. أو في مشافي المجاذيب تحت إقامة جبرية..