الأحد، 23 ديسمبر 2012

هذيان


بقلم - أميمه العبادلة:


أعترف أن فكرة الموت تأخذ كثيراً من تفكيري.. تحديداً الأموات وحياتهم البرزخية أثناء موتهم.. شيء لاشعوري يدفعني دوماً لتكرار قراءة سورة الفاتحة سراً، ووهبها لأموات المسلمين.. والرجاء بإصرار أن تخفف قراءتي شيئاً غامضاً لا أعرفه..

أفكر كثيراً إن مِتُّ هل سيذكرني أحد ويتلوا عليَّ الفاتحة من حين إلى آخر كما أفعل لأجل أشخاص كنت قد إلتقيتهم ذات زمان، صدفه، ولست أعرفهم بشكل حقيقي..؟!!

أفكر بـ جداي كثيراً.. يا ربّ لقد كانوا طيبين جداً، وأحبهم جداً، وأشتاق إليهم جداً.. يا رب لا تعذبهم وارحمهم برحمتك..

من منا يحتمل عذاب الله..؟!! بالطبع لا أحد.. مرعبة هذه الفكرة إن ربطناها باللارجوع، وأن الله سيحاسبنا على مثقال الذرة.. من منا لم يخطئ، وكل ابن آدم خطاء.. إن الله غفور رحيم، لكن الرحمة تلي العذاب.. و( إن منكم إلا واردها )، فبكى عمر حتى ابتلت لحيته خوفاً وخشية..!

هالني موت زميلنا علي الأغا.. أعرفه.. أعرفه جيداً.. أو لعلني أعرفه إلى حد ما.. أقف عند صورته كثيراً وأفكر بالمجهول الذي لست أعرفه.. علي توفي صغيراً جداً، وعلى حين غرة، ودون سابق مرض ينذر بقرب منيته.. علي ليس الشاهد هنا، بل الموت ذاته.. هل يسمح الموت لعلي أن يسمعنا..؟!! هل يرانا..؟!!

ذاك الموت لا أفهمه ولا أي منا يفهمه، والجميع يخشاه، حتى الجدات الطاعنات يخشينه..!

بالأمس كنت أمر على تصميمات محمد عبد الرحمن، استوقفني أحدها  كان بعنوان الموت يحصد نفسه في الصومال.. رسم الموت حاملاً الموت في أحشائه كجنين، اختنق به فمات الموت من الموت..

مرعب هو الموت.. لم أجد مجهولاً مرعباً كـ هو.. ولم أجد مجهولاً مرعباً يشدنا للبحث عنه كـ هو أيضاً..

إنه يأخذ من تفكيري ساعات مرتبكة كلما مرًّ اسم لشخص متوفى أو صورة له.. لا أعرف حامد أبو هربيد زميلنا الصحفي الذي توفي في تركيا، لكن ابتسامته شدتني وقصته مع المرض أخرست الحواس لدي.. أظنه مازال يبتسم بعد موته تماماً كما كان في الصورة.. اكتشفت أنه كان صديقاً لدي على الفيس بوك دون أن أعرفه أو أحادثه أو حتى ألتقط مكانا لاسمه في ذاكرتي..!

بائس هذا الموت الذي يحول بيننا وبين معرفة أشخاص طيبين.. أو لعلنا البائسون أن غيبتنا فوضى الحياة عن معرفتهم قبل أن يصلوا لنهاية طابور الموت..

لا يكاد يمر يوم دون أن أتذكر زميلنا الصحافي علاء مرتجى الذي اغتالته آلة الموت الإسرائيلية في حرب غزة السابقة.. رغم أني لم ألتقية، وسجل معرفتي به لا يتعدى محادثتي ماسنجر.. لكنه كان طيباً، وترك أثراً وفياً يأبى أن يفارق الذاكرة المتخمة بالكثير..

مع علاء أفكر كثيراً هل يذكره من كانوا مقربين منه كل يوم، كما أذكره أنا التي لم أكن أعرفه إلا من خلال محادثتين فقط..؟!! وهل عندما أموت سيذكرني أحد، أم أن الحياة تستمر وتمحو ما مضى من أجندة المهام..؟!! للمرة الثانية أيضاً ليس علاء الشاهد في كلامي، بل هو الموت نفسه..!!

رجاء: الفاتحة على أموتنا وأموات المسلمين والدعاء بالرحمة أثابنا وأثابكم الله..



السبت، 15 ديسمبر 2012

أيام زمان

بقلم - أميمه العبادلة :

سيأتي يوم يكون فيه عدد الأصدقاء غير محدود على الفيس بوك – كما هو الآن – وسنقول لأحفادنا حينها:


" إيييه الله يرحم أيام زمان، والبساطة عندما كان الفيس بوك مجاني..!! والأصدقاء جميعاً لا يتجاوزون الخمسة آلاف.. لقد كنا أسرة واحدة على التايم لاين.. نجامل بعضنا باللايكات، والبووك، والكومنتات..
لا كأيامكم هذه التي لا حياة افتراضية فيها كما ينبغي، ولا شبكات تواصل اجتماعي حسب الأصول..
ما عاد أحدكم يكترث لبوستات الآخر ولا لتحديثات الـ status الخاصة به كأيامنا "..!!

وسيرد الحفيد الديجيتال - المعدل وراثياً -ً علينا ببرود قاتل، أثناء استخدامه لسوفت وير معقد عبر جهاز لم يكن مبتكراً على أيامنا:

" بييس يا مان.. هذه سنة الحياة التي ارتبطنا بها بـ( تاج – tag ) منذ أيام آدم وإيف.. كن ( up-to-date )، ودعك من فتوحات المزرعة السعيدة، وصور الأصدقاء التي ما زلت تحتفظ بها على الفلاش ميموري خاصتك، والتي ما عاد أي جهاز يتعامل معها في يومنا هذا "..!!

وسترد عليه أيها الجد المنهك بغضب وتعصب للدفاع عن انجازات جيلك:

" إياك ثم إياك أن تتطاول على الفلاش ميموري مرة أخرى.. إنها تحتوي على كامل ذكرياتنا، وصورنا، ومشاريعنا، والجيمز التي كنا نلعبها في تلك الأيام الخوالي.. إنها تاريخنا، وعاداتنا، وثوابتنا التي لا يجب أن ننساها أو نتخلى عنها "..

// إيييه سبحان الله.. من كان يصدق أن كل هذا سيحدث يوماً ما.. دنيااا //

الجمعة، 23 نوفمبر 2012

مشاعر إلكترونية


بقلم – أميمه العبادلة:

أنشكر صفحات المحادثات الإلكترونية الجافة من بلل المشاعر الذي لطالما صال وجال على خطوط ملامحنا، وأضفى عليها ما استطاع سبيلاً من الألوان، والثنايا، والنبضات، وفوضى درجات الحرارة..؟!!

من السهل الاستتار والاختباء خلف الأحرف الصامتة دون أن يعلم من يُحادثكَ كيف أنك تتلعثم.. أو دون أن يلحظ نبرة صوتك المرتجفة ألماً، أو جزعاً، أو ربما شوقاً، أو حتى كرهاً..!!

هم ( من تحادثهم ) بالطبع لن يروا - في حروفك ذاتها - بريق الدموع في مآقيكَ التي ألهبها الحنين.. ولن يقارعوك على ثورة الغضب التي أحالت مقلتيكَ لجمرتين..

كما أنك في المقابل لن تفزع من قهقهتم الساخرة من تلاعبهم بمشاعرك من خلال تطويع الكلمات، وتواطئ المعنى مع شيطان يختبئ خلف شهب أنفس لا يعلم مرادها سوى رب العباد..

كلانا – الصالح والطالح - لن نفهم أياً من كل هذا ما دمنا نختبئ  خلف الشاشة الزرقاء دون إبداء الوجوه ومعالمها، ومادمنا نفرح باختصار المسافة دون التوق لشغف اللقاء..

أتساءل، هل من خير حقيقي نكتسبه من إخفاء مشاعرنا كلياً حين نغص بالوجع ونختنق به، بينما في ذات اللحظة ترانا نكتب على الشاشة ضحكة طويلة بتكرار حرف الهاء ( ههههه ) - كما اتفق على ترميزها أهل الفضاء الإلكتروني - فقط لنداري سوءة وجعنا عنهم..؟!!

أو هل نكون أنجزنا انجازاً خارقاً حين نسخر من أحدهم ونتلاعب به بقصد الضحك معه أو عليه..؟!! هل من ذكاء حقيقي، أو على الأقل من فائدة ذات قيمة ومغزى تعود علينا من ضلال المشاعر هذا وتضليلها..؟!!

في هكذا حالات يكون قياس حقيقة المشاعر لا صعباً فقط، بل هو تمام مستحيل.. باستثناء أن يكون مُحَدثكَ على درجة عالية من الحساسية والتواصل الروحي بروحكَ: كأمكَ، أو أبوكَ، أو - وهذا قلما يكون - توأم روح وقلب يعنيه أمرك جداً وجداً ثم جداً..!! حينها فقط سيفهم أو على الأقل سيشعر بانقباض مبهم في صدره يشي له بحقيقة حالتك..!

من السهل نسخ النكات ولصقها على شاشة العرض الإلكترونية، لكن من قال إن ناشرها في حقيقة الأمر يضحك..؟!! من السهل سرد خطبة شبيهة بتلك التي يلقيها الإمام يوم الجمعة عن فضائل الصلاة، لكن من قال أن ناقلها يصلي..؟!! التغرير بالآخر واجتذابه أو تنفيره واستفزازه بالكلمات وحدها أمر متاح ووارد.. أما مدى الصدق والتثبت أمر يحتاج إلى إعادة نظر وتدقيق..

عادة ما يكون للكاتب، كما للمتحدث، أربٌ من كتابته.. أربٌ مرتبط بهدف خفي في العقل الباطن، ويترجمه العقل الواعي كما يراه مناسباً بسلوك مخابراتي فطري محكم في دمج الحروف.. فتؤتي الكلمات والعبارات أكلها بدقه تصيب الهدف في مقتل احترافي، فـ يُصدق الطرف الأخر لا محالة.. على الأقل نتركه مرتاباً ما بين نعم ولا..!

لكن الفرق بين الكاتب والمتحدث شفوياً أنك تستطيع أن تميز في الثاني نبرة صوته، عمق إحساسه بالكلمات، نظرة عينيه التي تشي بالكثير، وتوتره أو ارتياحه وغيرها من الأمور.. أما الكاتب فكثيرا ما نحتار ونحن نقرأ ماذا تراه يقصد..؟!!

علم الوجوه وحركات الجسد الذي استفاض فيه الباحثون وذوو الاختصاص لا قيمة له إن كانت لقاءاتنا إلكترونية، بغض النظر إن كانت فيسبوكية أو تويترية، أو ماسنجرية.. المهم أن كل الأقاصيص والعبارات والخطاب الموجه لن يكون دقيقاً أو صادقاً أو شفافاً مائه في المائة، فيما لو قارناه بالحوار وجهاً لوجه..

قد لا نكترث أبداً لو أن الأمر مرتبط بعمل روتيني لا يتعدى فكرة الـ خذ وهات.. لكن متى ما كانت محادثاتنا ونقاشاتنا هذه تدور في فلك علاقات جادة، ونرغب من خلالها الانتقال من مرحلة الافتراضية إلى الواقعية سيكون التدقيق والاهتمام بالمصداقية أكبر بلا شك..

أنتجنب هذا النوع من المحادثات إذا..؟!! أو نطور قدراتنا في تحليل ما بين السطور..؟!! أم نستسلم لفكرة انتقاص المصداقية..؟!! أم نبتكر حلا جديداً..؟!! ما الأفضل كي نفعله..!!
أو لماذا لا نكون، ببساطة، صادقين وشفافين دون اعتبارات التحايل التي أشك في مدى جدواها ودوام متعتها..!!!

السبت، 13 أكتوبر 2012

عصام يونس.. من حقوقي حازم إلى فنان ساحر


بقلم – أميمه العبادلة:
لطالما كانت نخبة العلماء، والمشتغلين بالسياسة، وأهل الاختصاص في القانون، على الرغم من كل ما يبذلونه في مجالات خدمة الإنسانية والحريات والارتقاء والتنمية؛ بصورة نمطية مألوفة لدينا تتسم بكثير من الجدية ووفرة في الجمود.. وكأنهم كائنات آلية مبرمجة على العطاء الروتيني دون ملامح جلية لمشاعر عميقة ومرهفة..

ربما يعتبره البعض صِنفاً من "بريستيج" اجتماعي فاخر لا يجوز كسر حديته، لأغراض قناعات نفسيه بحته ما أنزل الله بها من سلطان سوى أهواء بشرية تعلو وتهبط دون مرونة أو جدوى.. لكنه يتعارض من كينونة الإنسان وميله للبساطة والفطرة والتوحد مع الطبيعة والجمال..

لعل الصورة السابقة مألوفة إلى حد ما، لكن اللامألوف يكمن في كسر جبروت هذه الصورة الجافة بإبداء لين مثير، بعد امتزاج المشاعر فيه بسمو الفن وعميق أصالته..

وليكون الحديث أكثر وضوحاً دعونا نرسو بعض الوقت في غزة، تلك المدينة المحاصرة التي يحسبها كثير من الخلق قطعة منسية، لا حياة طبيعية فيها.. بينما في واقع الأمر فإن كل ما فيها يقتنص الثواني ليصرخ أنا أضج بالحياة رغماً عن الحياة ذاتها..

هنا وقرب البحر يبرز لنا معرض لوحات استوحى اسمه من رسمه: "لا جمال يفوق ما تنتجه الطبيعة".. إنه معرض فريد من نوعه لجدة خاماته.. فجميع لوحاته العشرين مرسومة ومطلية بقصاصات من قش سيقان القمح الذهبية..

ومع ذلك فنجم المعرض الحقيقي هنا لا اللوحات الفريدة بل صاحبها الذي تخلص من عباءة عشرين عاماً في أروقة النشاط القانوني، والمرافعات الجادة، والمقالات السياسية الرصينة، وشعلة حقوق الإنسان التي لطالما كانت همه الأول، وارتدى زرقة السماء في عينيه المتوقدتين حياة، فغازل بذلك أبصارنا وأرواحنا وذوقنا بكوكتيل فني لا مثيل له، وأنار عالم الإبداع بعشرين لوحة طبيعية 100%..

فاللوحة الواحدة بها ألف معنى، ما بين روعة الطبيعة، والحفاظ على البيئة، وتصوير الحياة، ودقة الصناعة، وتقدير الإنسانية، مغلفاً كل هذا بحرفية ساحرة وبهالة قصوى من الحب..

وعلى الرغم من أن عصام يونس يشغل منصب مدير لمركز الميزان لحقوق الإنسان والذي ينصب نشاطه في تعزيز أسس الديمقراطية في المجتمع الفلسطيني ونظامه السياسي وتعزيز المشاركة السياسية للمواطنين، والضغط نحو تشكيل حكومات صالحة تحترم حقوق الإنسان، وتوعية المواطنين بحقوق الإنسان الفردية والجماعية بما في ذلك الحق في تقرير المصير والعمل على تحقيقها عبر استخدام قنوات القانون الدولي..

إلا أن كل ذلك لم يمنع يونس من ممارسة هوايته الفنية المميزة هذه.. فهو يراها تساعده على تفريغ طاقته السلبية والضغط والتوتر والإجهاد الذي قد يسببه العمل والهم الإنساني المتواصل الذي تبناه من بداية شبابه.. حيث إن طبيعة القش المشاكسة والهشة تتطلب طول بال وصبر ودقة عالية في رسمه ونظمه وتوليف أليافه بتموجات تظهر جمال اللوحة وعمقها.. الأمر الذي قد يستنزف من العمر مابين شهرين إلى سنتين لتكون في النهاية عروساً متألقة يباهي بها الفنان بين الزائرين في معرضه..

استرقت السمع فعلمت أن يونس ما كان يفكر يوماً بالمعرض، واكتفى بلوحاته نجوما تزين منزله، لكن إلحاح متواصل من أصدقاءه دفعه ليبرزها للعلن، ويساعدنا في تأمل روح الإنسان الفتية التي لم ولن ينال منها أي ظرف مهما كان قاسياً..

في الحقيقة لا أعرف يونس شخصياً، ولم أمكث في المعرض طويلاً.. فقد سرقت من الزمن نصف ساعة لأرى ما الجديد.. فكان الجديد يحمل في كل لوحة قصة، تذبذبت ما بين تاريخ فلسطيني، وطرفة حكايات شعبية، وحديث نسوة، وورود، وطيور، وفضاء.. باختصار كان المعرض عالماً، أو دون مبالغة كان كسفينة نوح حين أخذ من كل زوجين اثنين..

أتمنى أن يتوالد الزوجان فيصبح بعد المعرض معرض واثنين وعشرة، فيمتعنا ويخرج بنا من روتين الشكوى أن غزة تموت.. بل إن غزة تعيش فبثوا فيها مزيداً من الحياة بآمالكم وأحلامكم وإبداعكم..

الجمعة، 31 أغسطس 2012

ورحل القطار



بقلم – أميمه العبادلة:

في المحطة، وقبل إطلاق الصافرة، تحشرجت روحها بصراخ ذاب وجعاً في ابتسامة نصف مشلولة، وبدموع تحجرت صخراً أدمى ما تبقى من نور أيامها..

ربتت على كتفه.. قبلته قبلة وداع.. وتمنت له معها سعادة لا مثيل لها.. وتعللت بموعد القطار لتشيح بوجهها عنه سريعاً، لئلا يرى مبلغ الانفجار العظيم الذي شتت ملامحها ومزق قلبها..

هرولت، لا ترى من الطريق أمامها شيئاً، ولا تدري أهذه أناس تتخبطهم، أم كالعادة مزيد من الجدران تتخبطها وتمنعها من الوصل حيث أرادت..

ألقت بنفسها في أول مدخل لعربة القطار، واستوطنت أول كرسي صادفها.. بالكاد أوصلتها خطاها الثقيلة، وقلبها المجهد الذي ما عاد له قِبَلٌ بالرقص ولا حتى بالدندنة..

كان هو، وما لم تره هي بوضوح لفرط ارتباكها، متسمراً لا ينطق، لا يتنفس، لا يسمع، ولا حتى يرى.. مذهولاً ومشلولاً لا يذكر من كل قواميس الكلمات حرفاً ينطق به لمنعها من المغادرة..

وهاجس كالطفل يحاول إلهاءه أنه في منتصف حلم سيصحو منه ليجدها بجاوره تهمس له: "أحبك"..

لصافرة القطار حين رحل، صوت دوى بداخله فاستوى منتبهاً من شبه الغيبوبة تلك، ونادى بأعلى صوته: "توقف أيها القطار.. توقف وعودي، أنا أحبك"..

غير أنها لم ترجع إليه، فسائق القطار آن ذاك كان مصاباً بالصمم..!!


الأحد، 19 أغسطس 2012

عبث في الذاكرة



بقلم – أميمه العبادلة:

في فيء العمر الذي صار جبلاً، تستوطن قبيلة من الذكريات تجمعت وتكدست في ذات البقعة من باطن العقل، فصارت شعباً عريقاً يخوض غمار أمنيات متسلسلة بإنتاج خاص ورؤية إخراجية ذاتية..

ورغم تأثير الذكريات البالغ فينا، إلا أننا ننسى كثيراً منها.. ننسى التفاصيل، ننسى الأسماء، ننسى الملامح، وبعض الشخوص..

لعل ذاك اعتيادنا عليها وعلى ما صنعته فينا.. فصرنا معها ككفيف حفظ زوايا بيته عن ظهر قلب، وما عاد البصر يُشكل لديه بعيد غاية، أو عميق حاجة..

حين يسكت الكون عن ضجيجه لبرهة من حولنا، وحين تضيق مساحة الفضاء ولا نكاد نرى شيئاً فيه غيرنا بماضينا وحاضرنا فقط.. حينها، يُجبرنا هذا الفراغ على التجوال سيراً على الأقدام العارية قسراً.. فنعيد اكتشاف أروقة منسية، ومنعطفات تلاشى دقيق معالمها..

إذا ليس الحنين ما يُرجعنا لتلك النقطة البعيدة جداً في عمق الذاكرة.. ليس الحنين أبداً.. إنه ملل الفراغ، وليس الفراغ وحده.. فلا تنخدعوا مجدداً بالملل الذي استوطن متسع الفراغ فضاق به.. ولا تحسبوه تخاطراً بثته إلينا روحِ مضت وولتنا الأدبار حين احتياج، وانبعث الضمير فيها على حين غفلة من القدر، فجاءتنا تمسك بوق الحنين وتستجدينا لنيل دور مكرر في حاضر الأيام أو مستقبلها..

هناك، في مدينة الذكريات ذاتها وأثناء تجوالنا العبثي لتفقدها، سنجد كثيراً منها منهكاً، نائماً يحسبه المارُ ميتاً.. ومنها ما سيكون نصف نائم، كذئب بنصف عين مغمضة ينتظر قطيعاً من السذاجة والحنين والفضول ليفترسه دون رحمة أو عناء.. وبعض آخر يلهو ويلعب، وينبش تربة الأيام لعلها تخصب وتزهر بشيء من الورود على قارعة الصدفة أو القدر..

في كل الأحوال ومهما اشتدت بك الوحدة أو مارس عليك الملل صنوفاً من إغراءاته، حذار أن توقظ نائماً في الذاكرة وإن بدا لكَ كطفل حالم، أو كمجرد جثة محنطة لا روح فيها.. فبعض الذكريات كعنقاءَ شرسة، متى ما استيقظت صارت تنيناً، لا يُلجم هياجه ولا تُطفئ ناره أبداً..






الاثنين، 16 يوليو 2012

منفضة السجائر



بقلم - أميمه العبادلة:

اعتادَ، منذ مدة، أن يترك على مكتبه رسالة مفتوحة عمداً..
يحميها من الهواء بمنفضة سجائره المحشوة بأعقاب خلفها الحنين، ويخرج..

فكر مراراً لو أنه يخبئ كاميرا سرية تشي له بردة فعلها حينما تراها..
أتفرح، أم تبكي..؟!!

يكاد يقتله برودها وصمتها الذي لا يفهمه.. ألا تحبني..؟!! ألا تهتم لمشاعري..؟!!

أما هي.. فدأبت العادة أن تدخل بعده بانتظام، لتهيئ المكتب..
تتأمل المنفضة، وتتألم كيف أنه يؤذي نفسه إلى هذا الحد..
تشفق من وطأة العمل على كاهله، وتمقت تلك البليدة التي لا تفهم رسائله..

وككل يوم، يسترق الفضول المستوطن داخل أنوثتها سطراً أو سطرين مما كتب، فتطلق تنهيدة حارقه، وتستسلم رغماً عنها لحبه لتلك المجهولة، صاحبة الرسالة..

تغلق باب المكتب خلفها وتمضي، وهي تلعن تلك العين التي تصيبها بالخيبة معه إلى الآن..!!

//
في الحب نحتاج كثيراً من الصراحة؛ وكثيراً من الثقة لتنضج المشاعر كما نشتهي//




السبت، 7 يوليو 2012

بعد فوات الأوان



بقلم - أميمه العبادلة:

لما سيق إليه نبأ موتها، وما كان منها من سؤال وبحث عنه، شعر بشيء غريب يختطف روحه في موكب من حنين إليها.. 

كانت وكأنها تناديه بصوتها الذي أدمنه عمراً: "ألا ليتك تدري..؟!!".. فعصف الأمر بروحه بما يشبه الحلم، وتذكر آخر كلماتها إليه: "ستعلم الحقيقة ذات يوم، وتبحث عني، فلا تستعجل وتنقم علي"..

كانا قد افترقا بأحجية ظن أنه برع في فك رموزها.. غير أنه ككل الرجال ضيق الأفق، تقوده شرقيته المتضخمة دون صادق تثبت..!!

ظن أنها والأيام سيصغران تحت قدميه يقبلانها طلبا للصفح.. ونسي أن لا خطيئة، ونسي أن الموت أكبر منهم جميعاً لو أراد..

دأب طيفها يلازمه كلما داعب طفلته الصغيرة، فيخيل إليه أن صوتها تلبس صوتها بدلال.. ربما لأنه عرفها روح طفلة في عباءة أنثى..

صوتها القادم من ما وراء السماء جعله كالثائر يهيم بحثاً عن خلاصه من سر طرق باب قبرها فضج في زوايا قلبه..

همَّ ببرقياتها القديمة يستنطقها، لعل سطراً يرق له ويكشف ما عساه استتر وراءه من غياب، لكن هيهات..!!

بدت له كلماتها جميعاً هيروغليفية مبهمة.. وكأن المعنى مات فيها كموت صاحبتها..

// مشكلة الأحياء أن مشاعرهم دوماً تنتفض من موتها بعد فوات الأوان//




الأربعاء، 4 يوليو 2012

بريق الجزيرة وما خلفه



بقلم – أميمه سليمان العبادلة:

نقل الخبر منقوصاً، أو صناعة الخبر كما يريدوننا أن نصنعه، أو فبركة الخبر ليكون طُعماً سائغاً لنيل صيد وربح مادي سمين.. كل هذا رغم ضلاله وتضليله، لا يهم.. أعني في هذه اللحظة، لا يهم..

ما يدور في رأسي، الآن، ويشغلني سؤال واحد فقط:
إن كانت التحليلات صادقة كما يراها بعض لا بأس بعددهم.. فما النفع الحقيقي الذي يعود على فضائية الجزيرة من افتعال الأزمات هنا وهناك..؟!! وهل من الممكن أن يجلب الصيد في الماء العكر صيداً سميناً ذو قيمة..؟!!

وبعد أن أسقطت ما أسقطته من ظلم وحكومات، فهل في المقابل تسببت فعلاً في إشعال مصابيح عدل، وبناء جميل حضارات..؟!!

ومن عساه سيكون المسئول عن تقييم وقياس مدى نجاح أو فشل عملية الاخصاب الحكومية والسلطوية الجديدة على يد مشرط فضائية الجزيرة..؟!! هل هي الجزيرة نفسها..؟!! أم متابعوها المنهكون الذين اعتادوا أن يلتقموا الخبر ولو كان سماً بملعقتها الذهبية..؟!!

لتلة الذهب في عيون الفقراء بريق يعمي الأبصار ولو كان خلف التلة حزام ناسف ومدفع وألف قنبلة..

لم أُكَوِّنْ رأياً كاملاً عنها بعد.. ولن أناقش شمائلها التي يعرفها مريدوها، ومن تتلاقى مصالحهم مع أخبارها.. لكن سأحاول نبش سلبياتها التي يقف عليها المعارضون، وهذا من صميم شعارها الرأي والرأي الآخر، والذي برز اسمها على أساسه..

شريحة لا بأس بها ترى أنها هذه القطرية تستميت في تأجيج الصراع وتأليب الرأي العام..  بالمناسبة إنها، فعلاً، لا تفعل ذلك مع أي دولة غير شرق أوسطية، رغم أن لها بثاً أجنبياً ونفوذاً لا بأس به حول العالم.. كما أنها تُغفل الطرف عن كثير مما يحدث في المنطقة العربية كمظاهرات البحرين مثلاً وغيرها.. وهذا ما يثبت في النفس شكوكها حول سلوكها..

إنها لا تقسم التغطية بالتساوي مع كل المناطق والأقاليم.. رغم أن البلدان في غالبها مضطربة، وإن كان للاضطراب درجات متفاوتة لكنه تفاوت منطقي لا يتناسب لا طرداً ولا عكساً مع تباين الجزيرة في الرؤية وانعكاسها..

لنفصل الأمر على مهل، وخطوة خطوة.. قناة الجزيرة القطرية ليست ولن تكون ملاكاً منزلاً من سماء سابعة.. ومحرروها ومقدمو الأخبار فيها، رغم تميزهم، ما هم إلا بشر خطاءون ينطقون عن الهوى.. وحيث أن كل الإعلام الأجنبي قبل العربي مملوكٌ لجهات بعينها تحكمها لغة الـ "بزنس" والمصالح، فلا استثناء للجزيرة عن باقي القائمة..

نجاح الجزيرة نابع من كونها ماهرة في اللعب على أوتار حساسة جداً لتدوزن مزاج المشاهد العربي على لحن يحقق أهداف أصحابها.. وأصحابها ليسو الخضر عليه السلام ولا عيسى ابن مريم، بل هم شيوخ قطر..

وقطر الآن، وبشكل لافت، تستميل وتساند الإسلاميين على حساب الليبراليين في الشرق الأوسط، رغم أنها ليبرالية متأسلمة بـ "الشماغ" و"الدشداشة" فقط.. وهي أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة العربية.. وأول من وافق وشارك في التطبيع التجاري مع عدو العالم الأول "إسرائيل".. إذا أغبياء هُم العربان إن توسموا في صديق العدو صديقاً صدوقاً محتملاً..

قصة قطر برؤية نصف واضحة تشبه قصة تلك الخائبة التي أثمت بارتكاب الخطيئة مع ذئب ظنته يحبها، فقررت أن تنشر إثم الخطيئة في محيطها لتخفف من شعورها بالذنب.. فالمفهوم الانقلابي في تاريخنا الحديث ظهر بانقلاب سِلمِي للشيخ حمد على والده خلال سفره.. وقطر الآن كما يراها الكثيرون تُصَدِّر هذا الفكر الانقلابي في المنطقة..

أما النصف الثاني للرؤية سيكون إن علمنا أن أصل الذئب في الرواية كان شيطاناً مُختلاً، هدفه إغواء الخلق للسيطرة عليهم.. وبذلك تكون قطر دمية كباقي الدمى أو لعلها سيدة الدمى.. وبالتالي فإن الجزيرة أداة في يد غرب أحكم السيطرة علينا بالفعل.. ولا مجال لمحاورة الذئب أو الاستماع لشكواه فذئب من يحاور الذئب لا محالة..

إن صافحني الذئب يا ليلى وابتسم، فهل لي أن آخذه بالأحضان وآمن جانبه..؟!!

ما أتمناه فقط أن لا تحول الجزيرة بالبارانويا التي أصابتها ربيعنا العربي لـمسخ كـ كمسخ فرانكشتاين، الذي عاث في الأرض فساداً وتسبب في موت صاحبه في النهاية..

الاثنين، 25 يونيو 2012

مرسي عَ الكرسي.. وبعدين..؟!!



بقلم – أميمه العبادلة:

بعد مباركتنا لأتباع مرسي، وعدم تشفينا بأتباع شفيق أرى أنه مازال الوقت مبكراً جداً لنعطي رأي قاطعاً حول معنى فوز د. محمد مرسي رئيساً لجمهورية مصر العربية.. أو تحديداً حول الذي سيفعله ويقدمه لقطاع غزة، كما يأمل ويحلم أهل غزة..

بعيداً عن المراقبة والتخمينات والتوقعات والآمال العظيمة، فإن الأمر الجليّ دون مواربة أنه بالتأكيد لن يكون المخلص لنا في غزة من كل الخطايا والآلام التي استوطنتنا بفعل فاعل من أهلنا أو من غير أهلنا.. وأيضاً لن يكون هو المهدي المنتظر..

هنا، لن أتعرض للشأن المصري وما ينقص، وما يلزم، وما يعني، وما يعكس، وما يجب.. فمصر أدرى بشعابها واحتياجاتها من كل كُتَّابِ فلسطين وغزة.. وزملائي الرائعون في قطاع الصحافة المصرية لا يألون جهداً، ولا ينضب لهم حبر أو ينكسر لهم قلم.. وبالتالي سأكتفي بالحديث عن الشأن الفلسطيني أو الغزي تحديداً والذي ارتبط قسراً بالشأن المصري الحالي بناء على رغبة الساسة والجماهير عندنا..

منذ طفولتي وأنا أرى الفلسطيني فخوراً أنه الأكثر ثقافة ومعرفة ومتابعة لأخبار الشعوب، والأكثر حفظاً لأسماء الدول.. كنت أظن أنه يبحث عن عزاء له لعله يسمع من بين الأخبار أنباءً عن شعب محتل كمثل احتلاله فيهون بذلك على نفسه شيئاً من مُصابه..

ثم صرت أراه عن قرب أكثر وهو يدقق في خطابات الرؤساء عله يسمع منهم مجرد اسم فلسطين ليطمئن أنه يعيش فعلاً على ذات الكوكب معهم، وأن هناك من يعرف بأمر وجوده ومعاناته..

ثم اكتشفت كفر الفلسطيني بنفسه وإيمانه بقدرة الشعوب حوله.. وبمتابعته لأخبارهم وكان كمن يتنفس الصعداء وينتظر الغوث منهم.. ربما لأنه كان يرى كيف أن الشعوب حوله جميعها تعيش وهو وحده يموت..

هي الحقيقة الفلسطيني شخص كسول، بل إنه أكثر كسلاً وبطئاً من السلحفاة.. والفلسطيني، الذي أعنيه هنا، الكل من الوزير إلى الغفير..

اعتاد الفلسطيني أن يقطع رجليه ليثبت عجزه.. وأن يمد يديه ليعتاش أهله.. ولو تحدث لبكى وناح وعلق كل الهم على غيره.. فبريطانيا انتدبت وسهلت، والعرب تخاذلوا وقصروا وباعوا، وإسرائيل استولت واشترت.. وهو كطفل يتيم، فاغر فاه يراقب الذباب كيف يدخل ويخرج، وفقط..!!

كاذب ذاك الفلسطيني إن قال لك مللنا الشعارات والصريحات.. كاذب لو قال لك ما عادت تعنينا الكلمات.. كاذب لو قال ما عدنا سذَّج تغرينا معسول الخطابات..

بل هو كما هو، كلما تحدث صالح أو طالح عبر الإعلام تعلقت به الأفئدة، وزاغت لأجله الأبصار وكأنه النبي بعث فينا من جديد.. ويكفي السيد فلسطيني أن يسمع كلمة فلسطين ليتولد بداخله الحنين، ويتعاظم في قلبه الشوق، فينسيه كل ما مر عليه من الشوك..

جيفارا، شكري القوتلي، الملك فيصل، نهرو، كاسترو، بو رقيبة، صدام حسين، حسن نصر الله، ملالي إيران، شيراك، عبد الناصر، السادات، مبارك، كارتر، كلينتون، أوباما، وحتى هتلر تمنوا لو أنه ما مات ليخلصهم من الظلم.. وجميعهم أمطرونا بوابل من القبل فقط لا غير..

والآن مازال مسلسل السذاجة يتكرر، حل دور التعلق وربط الآمال بمرسي، فوزعت غزة الحلوى وأطلقت المآذن التكبيرات والتهليلات وكأننا حررنا القدس..

عفواً.. أقصد وكأنهم حرروا لنا القدس.. على اعتبار أننا قُصَّر ونحتاج دوماً لوصي يقضي لنا حوائجنا..

أي خيبة هذه..!! والله إنها لخيبة عظيمة.. لست مكترثة كثيراً إن فاز مرسي أو شفيق.. فلست مع هذا ولا ذاك.. أقصد، أعلم أن كلاهما لنا سواء، فلقد حفظت درس الانتخابات الرئاسية التي نتعلق بها حول العالم.. وجميعها لا تأتي لنا إلا بمزيد من خيبات أمل..

أتمنى أن يكون لمرسي دور فعال، لكنني بصراحة لست متفائلة لحد "الهبل" كما يفعل الجميع حولي.. ليقيني أن لا أحد سينفعنا إلا الله ثم أنفسنا فقط، فما حك جلدك مثل ظفرك كما يقول المثل العربي..

وأؤمن أن من تعلق بعبد من عباد الله، وكله الله إليه فأضله بضلاله ولو بدا له ذو صلاح وتُقى.. أما من تعلق برب العباد، أنجاه الله من كل الضلال والمهالك..

فتوقفوا عن تقديس البشر والتهليل لمن لم ولن تعرفوه، واسألوا الله خير أقداره، وكفى بالله لكم حسيباً وعليكم وكيلاً..

الأربعاء، 20 يونيو 2012

خصوصية مقدسة



بقلم – أميمه العبادلة:

إن الحفاظ على الخصوصية المزدوجة بين شريكين في عمل أو حياة مهمة صعبة جداً.. إلا أن ضرورتها تحتم على كلا الطرفين تقبل مبدأ الكتمان مصحوباً باحتمال تكبد كافة الصعاب ابتداء من التنازل عن البوح بالحلاوة أو المرارة التي قد تغلف تلك العلاقة، وانتهاء بسرد أي تفاصيل تشير أو تدل من قريب أو بعيد بمباشرة أو مواربة لجزء أو لكل.. لا لشيء سوى للحفاظ على كينونتنا بما يليق بنا في عيوننا وفي عيون الناس أيضا دونما أي تشهير..

المشكلة أننا ننسى ونصفح ونسامح وتسير الأمور.. وحتى لو أنها ما سارت فإن الزمن كفيل بمحو قبيح، والاحتفاظ بجميل حتى لو كان ذو قدر يسير.. وما الاحتفاظ بيسير من جميل ذكرى سوى جرعة ماء مالحة تقينا الموت عطشاً في صحراء قاحلة..

إن الناس حولنا للأسف لا ولن تنسى.. أقرب الأقربين كانوا منا أو أبعد الأبعدين.. فقبيح القول والعمل يظل ملازما لنا في تصورهم عنا أو عن شركائنا.. تماماً كأول كلمات تفوهنا بها في لحظة شيطانية من غضب.. وغالبا ما يكون الغضب صديقاً ودودا للتحريف والمبالغة، فيتشوه الشريك بالضرورة، نتيجة لثورة غير مسئولة عن نوع الحمم المتناثرة جزافا من براكين نار لا يعلم درجه حرها في الصدور سوى الله..

وفي حال اتهامنا الآخر جهاراً، فعلينا أن نخضع برضى لمعادلة تساوي كفتي الميزان العادل بأن نفسح المجال للشريك أن يعبر عن رأيه جهاراً هو أيضاً كيفما شاء دون رفض أناني منا، فنحن من بدأنا وعلينا أن نتحمل نهايات تلك البدايات..

ولا لوم على الشريك فيما قد يقول وحجم ما قد يقترفه من خطأ، فتهورنا منذ البداية هو من أفسد الجدار المقدس الملتف حول خصوصيتنا بثغرة تسرب منها ما تسرب..

الثلاثاء، 19 يونيو 2012

هل الصمت عامي أم فصيح..؟!!


بقلم - أميمه العبادلة:

للصمت لغة قوية الحجة والتعبير والتأثير، لكني لا أفكر في الصمت كصمت، بل في كونه لغة خاصة جداً، الجميع يتقنها ولا يتقنها في ذات الوقت..

واللغة المحكية ، كما نعرفها، عربية كانت أو صينية أو فارسية إما أن تكون فصيحة قوية وبليغة، أو أن تكون عامية خفيفة يتقنها عموم الناس.. أما الصمت فلغة مختلفة، بمفردات أكثر عمقاً وروعة من أن أظلمه وأخنقه في بوتقة العامي والفصيح..

إنه صوت الفراغ الصاخب بلا حروف، بل بإشارات حسية، وإعمال خيال، وإيماءات أعين، ودقات قلب، ورجفة قلق.. وغيرها.. وكلٌّ وصمته، وكلٌّ وقصده، وكلٌّ وعمق إدراكه..

اللغة ببساطة وسيلة مواصلات متاحة للجميع، لك أن تمتطي ما شئت منها بما يتناسب وقدراتكَ على القيادة، أو بما يتناسب وإمكاناتك المادية لتطويع اللغة..

وبالتالي لا عجب في أن تجد من يتبع طريقاً طويلاً ملتفاً ومتعرجاً وممتلئاً بالمطبات، أو أن تجد آخر يحلق في سماءك بسرعة البرق، فتصيب صاعقته الهدف فيشتعل وتشتعل معه..

أما الصمت فهو شأن آخر.. إنه ضالة منهكي الألسن، ومنكسري الأقلام ، ومتكسري الأجنحة.. لا يحتاج لرحلة ولا راحلة، ولا زاد، ولا لزمان أو مكان.. إنه يقتات على الصبر ممن تحدثه، أو بتعبير أكثر دقة، إنه يلتهم الصبر، ويستنفذ قواه فيصيب غريمك في مقتل..

إنه باختصار لغة تفوق في بلاغتها الفصحى، وأكثر سلاسة من العامية..

الثلاثاء، 5 يونيو 2012

يا للنكسة ..!!


بقلم - أميمه العبادلة :

- ما الجمع..؟!! وما الخطب..؟!!

- كالعادة لا يجتمعون إلا على أطلال ذكرى..

- أي أطلال وأي ذكرى..؟!!

- ذكرى النكسة .. التي تلت النكبة.. التي تلت الخيبة..

- كم عامٌ مرَّ على ذكرى النكسة..؟!!

- ما مرَ عمر ولا عام ولا شهر ولا حتى برهة.. النكسة ما مرت، ولا مررنا.. النكسة استوطنتنا.. توقف العمر وتوقفنا..

- ظلم إذا إفراد يوم للنكسة.. مادامت كل الأيام نكسة..!!

- فعلاً، كل الأيام نكسة.. لكننا نتكسب من أيام الذكرى، وتقنينها أياماً لتحليل كسب مشروع منها.. فلو وسمنا كل الأيام بذكرى لاتهمونا بالفساد، ولانكشف غطاء الستر عنا..

- نتكسب..؟!!

- نعم، من أول بائع الأعلام، وصاحب المكتبة، والخطاط، وبائع الترمس، والعصير، والمصور، ومراسل الصحيفة، وسائق الأجرة، وبائع الأحذية، والمحلل بحفنة دراهم على الفضائيات، وشركة الخليوي، والشحاذ، وبائع المناديل، وإصبعي النصر لذاك الناشط، وصاحب المؤسسة، والسيد النائب.. أتذكره كانت بذلته الجديدة جميلة ذاك اليوم في الصورة.. والسيد الوزير، والسيد الرئيس.. حتى عامل النظافة بعد أن يكنس آثار هؤلاء جميعاً..

تخيل معي لو أن المشهد تكرر كل يوم، لكان إهدارا للمال العام.. تكفينا من العام ذكرى بألف يوم..


الاثنين، 4 يونيو 2012

لعدم كفاية الأدلة



بقلم – أميمه العبادلة:

"القاضي معذور مفيش أدلة" هذه الجملة، المخدر، تتردد بكثافة بعد محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك والتي أسفرت عن مؤبد قابل للطعن نتيجة لقتل الثوار.. والبراءة من تهم الفساد المالي والإداري له ولأولاده ومعاوني حبيب العادلي..

بالطبع لست دارسة للقانون، غير أن اعتراضي على الجملة الأولى كمبرر لتخفيف الحكم الذي صدر بشكل صادم للجميع، لا تقنعني، ولا أفهمها سوى كإبرة مسكنة للوجع الذي جثم على صدور أمهات ثكلى وآباء مكلومين..

سأحاول تفسير الأمر كما أراه، قد أصيب وقد أخطئ، غير أن الأفكار بعقلي تسري مسرى النمل بأرض سليمان، وأخشى أن تتحطم آخر الآمال ببلوغ المنى من ثورة الربيع العربي الذي لم نرى منه سوى خريفاً متساقطاً لشهداء تلو شهداء.. وخيبات تلو خيبات..

وإن كان حديثي المسيطر عما يحدث في مصر ليس سوى لأن مصر أم الدنيا، وحري بأولاد أو الدنيا أن يشبهوها ويتبعوها في كل ما تفعل.. فالستر يا الله مما يتبع..

أبدأ بالديباجة الطويلة التي أتحفنا بها سيادة المستشار أحمد رفعت، والتي ملأت نفوس مستمعيها بنشوة النصر العارم للثورة.. وكأنه صلاح الدين يزف لنا فتح القدس وهزيمة المجوس والفرس..

خطبته التي سرقت من أعمارنا عشرين دقيقة أضفناها حبا وكرامة بسذاجة في ذات السلة لحساب قديم سلبوه منا منذ ثلاثين عاماً، ما كانت سوى استعراض مسرحي لينال اسمه ورسمه وصوته ولقبه كفايته على شاشات الفضائيات المتابعة، وليرسخ فينا دون أن ندرك مذهب التلقين والتحفيظ وسرد الخطب العصماء والشعارات الرنانة والأعيرة "الفشنك"، والتي على ما يبدو كانت كبرزخ سيصل ماض بمستقبل يشبهه..

تلاها النطق بالحكم، والذي جاء على مبدأ هل آتيكم بالخبر السيء أولا أم أثلج صدوركم بخبر جميل وندع الكارثة للنهاية فيخفف أحدهما وطأة الآخر..

تغلفت الديباجة ضمناً بنقص الأدلة والإثباتات.. وانتهى "الحاكم بأمر الله" بعد نطق الحكم بخاتمة مفسرة لما نطق به حقاً أو زورا وبهتانا..  كانت خاتمته كمن زاد الطين بلة.. وهي أنه غلبان مسكين اجتهد ولم يجد ورقاً حكومياً مختوماً وموقعاً يؤكد ما بدا من التهم.. وأن بعضا مما وجده قد تقادم وأسقط عن المتهمين تلك التهم..

بصراحة لست أجد من عقلي عقلا لطفلة صغيرة كي تنطلي عليَّ هكذا حجة.. ولن أبالغ وأقول أن الأطفال أيضا سيدركون، فلست محتالة إلى هذا الحد لأقنعكم بما ليس صواباً، ولست أيضا داهية من دواهي الزمان كي أمتلك عقلية خارقة في طفولتي..

المهم، ولب الموضوع أنني أستوعب أن يحتج القاضي بهكذا حجة لو كان المتهم لصاً مغموراً أو قاتلا مأجورا، لم يره القاضي في حياته كلها سوى يوم المحاكمة.. فسيكون المسكين حينها حقاً مضطراً أن يلجأ للأوراق والشهادات والإثباتات التي تدينه أو تبرئه..

أما أن يكون المتهم شخصية يعرفها القاصي والداني، وسلوك حكمة وظلمه أو عدله واضح ظاهر بائن كشمس لا يخفيها غربال، والأدلة أظهرها الإعلام بصوت وصورة والمدَّعُون بالحق المدني شعب بأكمله، ثم يقال أين الإثبات فهذا عجب عجاب..!!

ولمن يود تذكيري بأن هذا ما نص عليه القانون في دساتيره، فأذكره بأن يا سيدي هذا القانون وضعي من فعل بشر مثلنا أو أغبى منا.. والبشر يصيبون ويخطئون.. وقانون وضع في فرنسا في ثلاثينات القرن الماض لا يتلاءم بالمطلق مع حالة عربية في القرن الحالي..

من وضع القانون البشري وطبقه أراد راحة الناس وضمان أمنهم وإعلاء مصلحتهم كي لا تضيع الحقوق.. ومتى ما أضاع القانون حقاً أو فرط في أمن فهو بالضرورة انتهت صلاحيته وأصابه العطب واستوجب على الفقهاء فيه تغيره..

أعجب من أن العالم العربي زاخر بألقاب على شاكلة الدكتور فلان من فقهاء القانون.. وأيهم لا يجرؤ على التفكير في مدى صحة القانون وصلاحيته أو تعديله أو ابتكار جديد بديل عنه بما يتناسب مع هذا الزمان وأحواله، وهؤلاء القوم وأطباعهم..

ليست القوانين قرآنية ولا كنسية حتى لا تُمس لعقيدة ارتكازها على شريعة إلهية مقدسة.. رغم أنها وهي بكامل قداستها قابلة للتجديد ومفتوح باب الاجتهاد فيها.. فما بال البشرية الخطاءة مقدسة قداسة زائفة..

وهذه المشكلة عامة في كل العالم الثالث المتخلف، لا في مصر وحدها.. وبصراحة لا أجد تفسيراً لذلك سوى أن القضاء تابع تبعية "بنت كلب" للحكومات العربية التي أعجبها حجم ما فيه من ثغرات، وللإمكانية الهائلة من خلاله لإحكام القبضة على الشعوب الساذجة.. وبالتالي جمدت العقول الفذة التي قد تصلحه واشترتها بالمال أو اعتقلتها..

في النهاية نصبر أنفسنا كذباً أو صدقاً لست أدري بأنه يكفينا أن رأينا المدانين في قفص الاتهام، وتكفيهم المهانة التي أحاطت بهم أمام العالم كله، أو كما يقال عن أسد سوريا يكفيه ما سيكتب التاريخ عنه، وكأن عيون الآباء التي لا تنام والأطفال التي تباد في مجاز جماعية الآن تكترث لتاريخكم اللعين ماذا سيكتب أو من سيقدس.. رغم يقيني أن التاريخ عن بكرة أبيه كذب في كذب، ومن كانوا كتبوه كانوا يقصدون التهويل وتنميق الوقائع وتلميع الزعماء.. الزعماء الحقيقيون اغتيلوا غالباً كجيفارا والملك فيصل وغيرهم..

وأصمت متى ما تذكرت أنه لا جدوى من كل الكلام مادام حتى حقنا بالكلام مدان ومصادر وسهل إثباته جداً.. بل وقد ندان بلا أدلة أصلاً.. وأنتهي بمباركة لا بد منها بأمر القضاء.. مبروك البراءة أيها الفاسدون بأدلتنا نحن لا بأدلة القضاء..!!