الاثنين، 7 يوليو 2014

حصار غزة.. غول يلتهم أمل مرضى السرطان بالشفاء

حصار غزة.. غول يلتهم أمل مرضى السرطان بالشفاء

د. الخزندار: الجانب الإسرائيلي يسعى لأن يكون القطاع متأخرا طبيا وعلميا


الرأي – أميمه العبادلة:
اختناق يملأ أرجاء المكان.. وحشرجة عويل لجمع نسوة اتشحن بالسواد.. وطفلة في الرابعة عشرة تجلس في زاوية المكان تبكي فراق والدها بحرقة وتجمع بين ذراعيها 6 من أخوتها الصغار الذين فغروا أفواههم بدهشةِ غير المدرك لما يدور حوله.. وأخوها ذو 16 عاما ضائع بين أن يبكي خوفاً من غد بلا سند له، أم يصمد لأنه رغما عنه صار رجل البيت..؟!! والأم غائبة عن الوعي بعد أن فقدت شريك عمرها وسيد قلبها..
هم عائلة (س. ك. 36 عاماً) الذي قضى نحبه بعد أن ذاق الأمرين لمدة 7 سنوات من المعاناة مع مرض السرطان الذي استوطن رأسه فأرداه صريعاً..

خذلان
حين أخبر الطبيب المعالج (س. ك.) بمرضه نبهه أن لا إمكانية لعلاجه في قطاع غزة لندرة الأدوية التي تعالج هذه الحالات وكان الخيار المطروح أمامه إما أن يحصل على تحويلة لمستشفى في إسرائيل، أو إلى جمهورية مصر.. ولوطنية (س. ك.) المفرطة ولعروبته، ما رضي عن مصر بديلاً.. لكن عروبته خذلته كما خذل العرب فلسطين كلها من قبل.. فأخبار المعابر لازالت تشير إلى أنها مغلقة حتى إشعار آخر.. ولو تم السماح للحالات الخاصة مره فإنه لا يتم السماح لهم ثاني مره.. وكثيرا ما كان يتم تعطيلهم وتأخيرهم؛ الأمر الذي بموجبه تزداد الحالة سوء ويزداد المرض تغولا..
هذا ما حدث تحديدا مع (س. ك.) والذي حينما كان قاب قوسين أو أدنى من الشفاء بعد جلسات طويلة من تلقي جرعات العلاج الكيميائي والعلاج بالإشعاع غَلَّقت مصر معابرها في وجهه وحرمته من نيل حقوقه البدائية في الحياة..
تأخر (س. ك.) ثلاثة أشهر عن تلقي الجرعة اللازمة فتدهورت حالته لقاع الوجع.. فُتح المعبر أخيرا لكن بعد فوات الأوان.. المريض آنف الذكر فارق الحياة مخلفا وراءه ضعافاً يرتعدون من صقيع المستقبل المجهول أمامهم..

نفس المصير
كان ومازال الحصار هو العدو اللدود والمتواطئ ضد شفاء (س. ك.) وآلاف مثله.. (هـ. ع. 24 عاماً) تجلس في زاوية أخرى في نفس بيت العزاء السابق بصمت ودموع متحجرة، إنها تخشى أن تلقى ذات المصير.. بيوت العزاء أحيانا تزيد الألم ولا تنقصه..
(هـ. ع.) هي الأخرى مصابة بالسرطان منذ عامين ومضى عليها شهر وهي تنتظر الموافقة على تحويلها إلى مستشفى المطلع بالقدس لتلقي جرعات الإشعاع اللازمة.. ومازال أمر سفرها وعلاجها مجهولاً.. صوت الطبيب وهو يحذرها من انتشار المرض لو تأخرت عن تلقي العلاج لا يفارق مخيلتها.. ترمق أولادها الأربعة بحسرة وتتنهد وكأن لسان حالها يقول أخشى عليكم أن تبكوني غداً بعد الرحيل كما يفعل أولاد جارنا اليوم..

مأساة أخرى..!
لم ينتهي مسلسل الدراما التراجيدية مع المرض بعد، فغزة مكتظة بهذه القصص.. كمأساة عائلة السيدة (أ. ب. 45 عاماً) التي انقلب فرحها لعزاء مر..!
احتملت (أ. ب.) ألم جرعات العلاج الكيميائي، والإشعاع، والجرعات الهرمونية، لفترة طويلة بعد عملية معقدة لاستئصال الثدي المصاب بالمرض عينه، احتملت كل شيء لتنال الشفاء والصحة في النهاية.. وما لبثت أن تنهي من أخذ نفس عميق بعد مشوار طويل ومؤلم، ولم تنعم بعد بتهنئة أسرتها وأحبتها حتى أصيبت على غفلة منها بصداع لا يقاوم..
علمت بعدها أن المرض انتشر في رأسها.. كان الأمر مباغتا وسريعا ولم يمهلها كثيرا من الوقت.. "الحالة حرجة" كما يقول الطبيب: "وتستلزم تحويلا فوريا لخارج البلاد".. هرعت عائلتها لاستخراج تحويلة إلى إسرائيل التي رفضت دون إبداء أسباب، ومصر أوصدت الطرق المؤدية إليها، والحصار فعل فعلته الشنيعة وتواطئ مع المرض الذي نال منها وأجهز عليها..

ضاع العمر يا ولدي..!
بعد محاولات مضنيه هنا وهناك تمكن (ح. ع.) وزوجته (ن. ع) من أن ينالا لقب بابا وماما أخيراً.. فقد رزقهما الله بـ (علي) الجميل.. كان ذكيا جداً بعيناه الزرقاوين، وشعره الأشقر، ومرحه الذي لا يقاوم..
حدث أن تعرض علي وهو في السابعة من عمرة لجرح بالغ جراء اللعب مما استدعى الطبيب المناوب لإجراء جراحة بسيطة له.. إلا أن الأمر لم ينتهي هنا، بل كانت هذه البداية.. تكون التهاب على الجرح وتطور الأمر بالتدريج حتى صار خلل في الخلايا وتكون السرطان بإرادة الله.. نقص الأدوية، وأغلاق المعابر، والحصار الذي كان الغول الهارب من الأساطير القديمة، كلهم اغتالوا براءة (علي) غير مكترثين لنحيب والديه المكلومين..
ومات علي، وأحمد، وعبد الله، ونهى، وسارة، وميار، ويوسف، وما زال الغول يحمل مقصلته متربصاً بفلذات أكبادنا وأحبتنا فهل من مغيث..؟!!

رأي الطب
يقول الدكتور زياد الخزندار استشاري الأورام والباطنة والمدير بمجمع الشفاء الطبي: " هناك نقص حاد في العلاجات الخاصة بمرضى السرطان وما تبقى في المخازن لا يكفي لكافة المرضى، فمستشفى الشفاء وحده به أكثرمن4100 حالة وجميعها تحتاج لجرعات مجدولة وأي خلل أو تأخير في تلقي هذه الجرعات يكلف المرضى حياتهم"..
ويوضح د. الخزندار أن المشكلة بالنسبة لأمر علاج المرضى تتركز باتجاهين: استلزام استصدار (نموذج رقم-1) أو ما يعرف بـ(التحويلة) وهو ما يكلف وزارة الصحة فعليا مبالغ باهظة جداً وقد يتكرر طلب التحويلة أكثر من مره.. والمشكلة الثانية مع الجانب المصري الذي يواصل إغلاق المعابر المنفذة إليه مما يحرم كثيرا من المرضى من تلقي العلاجات اللازمة هناك وهو ما يؤدي بالضرورة لتدهور صحتهم..
وردا على سؤالنا حول البديل عن السفر للخارج، أكد د. الخزندار على أن هذا الأمر شبه مستحيل نظرا لأن القطاع الصحي هنا يفتقر بشكل كامل للأدوات التشخيصية كالمسح الذري، وPET CT scan؛ كما أن العلاجات الإشعاعية، والعلاج باليود لا تتوفر مطلقا.. منوها: "الجانب الإسرائيلي يسعى لأن يكون القطاع متأخرا طبيا وعلميا لنكون في حاجة إليهم على مدى السنوات ويواصلوا تحكمهم في حياتنا"..

أما بالنسبة لحكومة التوافق ودورها في تفعيل التواصل بين وزارة الصحة في رام الله وقطاع غزة فيبدو أن الأمر مازال حبرا على ورق، حتى أن شحنات الأدوية التي تصل لا تكفي فعليا ولا تغطي كامل حاجة المرضى.. لذلك نهيب بوزارة الصحة للعمل سريعا لحل أزمة المرضى عموما في قطاع غزة، ومرضى السرطان تحديدا..

ليست هناك تعليقات: