السبت، 12 يوليو 2014

غزة تتوهج بنار حرب مسعورة.. ونور شهداء أبرياء

غزة تتوهج بنار حرب مسعورة.. ونور شهداء أبرياء

الرأي – أميمه العبادلة:
لرمضان هذا العام، في غزة، طقوس خاصة جداً لا تشبهها فيها مدينة أخرى. الأجواء هنا فريدة من نوعها لدرجة أن لا وصف يجزئها: لا رسامين، ولا شعراء، ولا كتبة. ربما يحتاج المرء أن يعيش الحدث من ألفه إلى ياءه في بث مباشر لعله يستطيع استيعاب ما يجري من جنون ينص على أن غزة فيها 121 شهيداً و924 جريحًا ثلث مجموعهم من الأطفال.

عادة تُسمع أصوات الخلق تعلو في هذا الشهر الفضيل بقراءة وذكر وصلاة. أما في غزة فالأصوات تعلوا بالبكاء والصراخ والنشيج طلبا للنجدة، متزامنة مع أصوات قصف لصواريخ ثقيلة يستهدف بها الطيران الحربي الإسرائيلي أرواحاً بريئة لعائلات وأطفال يحلمون بغد سيشترون فيه بالونا، أو فانوسا، أو قطعة حلوى.

فانوس رمضان
وعلى ذكر فانوس رمضان فقد استغنى عنه أطفال غزة التي بات ليلها مشتعلا من جذر البيوت حتى عنان السماء جراء ذات القصف الغاشم.

ثريا ذات الخمسة أعوام تحلم بفانوس رمضان، تهرع لوالدها تطلب منه فانوساً فيصرخ في وجهها: "من أين ونحن لم نتسلم رواتبنا منذ ثلاثة أشهر، لا مال معنا لنأكل وأنتِ تفكرين بالفانوس!". ترجع أدراجها منكسرة الخطى لتخلد لنوم يسعفها بحلم فيه فانوس. وما أن تغط في النوم وقبل بداية الحلم الجميل تصحو فزعة من بكاء أخوتها، وصراخ أمها، والدم على ذراع والدها وشظايا زجاج النوافذ في أرضية غرفتها. إنه قصف ما قبل النوم الذي يهد به طيران العدو الحربي مهد أطفال غزة وذويهم.

المضحك المبكي أن تجد إسرائيل تستهدف أطفالا، ونساء لا حول لهن ولا قوة، وحتى أمواتا ًفي مقابر تحلل كل من كان مدفونا فيها. لحظات الضحك المر التي يُصبر الغزيون بها أنفسهم فيبتكرون طرفة يتندرون بها علها تخفف عنهم جزءا من مصابهم الجلل فيقولون: "نحن شعب الجبارين من أطفالنا وحتى أمواتنا، إسرائيل تخشانا جميعا". كان هذا عقب قصف على مقبرة الساحة التي تقع وسط قطاع غزة وأخرى في مدينة خان يونس جنوبا.

رنين
عائلة تقليدية ومسالمة جدا تكونت عندما تزوج الشاب جودت عبد الغفور من أمل العبادلة (26 عاما) قبل ثلاثة أعوام واكتملت فرحتهما برنين التي أضاءت لهما الحياة بالفرح والبهجة. وحملت أمل للمرة الثانية إنه صبي هذه المرة، هكذا قالت الطبيبة، ومن المتوقع أن تلد امل بعد رمضان.

المسكينة حركتها ثقيلة وهي في شهرها الأخير. من الصباح الباكر هبت لتعد مستلزمات اليوم من غسيل وخبز وطبخ، جلست قليلا لتلتقط أنفاسها، تداعب رنين، وتمسد على الجنين في رحمها، وتسرح بخيالها كيف ستكون ملامحه. سمعت جلبة في الخارج وفرقعة وأصوات مختلطة تناديها يبدوا أنه قصف وشيك. اجتهدت أن تقف وتحمل ابنتها لتهرب لمكان آمن، لكن الطائرة الحربية النفاثة كانت أسرع من هروبهم، فاستهدفتها ورنين والجنين في أحشاءها دون ذنب سوى أنها حلموا بالغد الجميل سوياً.

للبيت رب يحميه
مشهد آخر تعيشه غزة بتناقض غير مفهوم. رجال يمشون في رحاب الله يقصدون بيوت الله تنافساً وطلباً للرحمة والغفران والرضا والثواب والعبادة في الشهر الكريم، في المقابل نرى الطيران الحربي الإسرائيلي دون سبب وتحليل مفهوم يستهدفهم بيوت العبادة في أوقات الصلاة وكأنه يسعى لمبارزة الله في بيوت الطهر وأرض الرباط ليروع آمنين مأمومين.

"يعلمون أن الله أكبر وأقوى منهم ويعلمون أننا مع الله دوما وأنه كلما دعوناه ورجوناه نصرنا عليهم لذلك افتعلوا قصف المساجد ليثنونا عن اللجوء لله، لكن هيهات فكل هذا يقربنا من الله أكثر ويقوي عزيمتنا وبسببه تغلي بداخلنا الرغبة للذود عن الدين والمقدسات" هذا ما قاله الشيخ أبو إياد إسماعيل أحد رجالات الدعوة في جنوب قطاع غزة.
رعب يتلوه رعب وخفقات في القلوب تتسارع والكل مشدوه ومرعوب وخائف ولسان حاله المرتعش يسأل ما الهدف التالي. الجميع يعرف أن الكل البريء مستهدف في هذه الحرب الشعواء التي لم تذر إلى الآن بيتا آمنا، ولا طفلا نائما، ولا شيخا خاشعا، ولا أماً مكلومة بفقدان بيتها ورب عائلتها إلا واستهدفته. وما أكثر الأهداف الخاطئة عندنا والتي تتم بدم غاية في البرودة دون أدنى تبرير أو اعتذار بـ"عذرا لست المطلوب" أو اكتراث للقيمة الإنسانية.

عذرا.. لست المقصود
كما حدث مع الشهيد د. أنس أبو الكاس الذي كان للتو عائدا إلى بيته، من عمله في مستشفى الوفا لخدمة العجزة والتأهيل الطبي، في منطقة الأبراج بجوار ملعب برشلونة وسط أكثر الأحياء السكنية اكتظاظا في قطاع غزة. قبل ابنه الصغير اطمئن على زوجته وما أن استدار حتى باغته صاروخ إسرائيلي بشكل مباشر فخطفه لما بعد السماء. الخطأ كان أن الصاروخ يستهدف جمعية لتيسير الزواج في الطابق الذي يعلوه مباشرة.

عموما لسنا نعتبر أبو الكاس إلا محظوظا فلقد استشهد في رمضان، وكان ذا سيرة عطرة أمضاها في خدمة المرضى والمحتاجين، وأيضا لقد لحق بعائلته التي استشهد كل من فيها باستهداف ظالم من آلة الحرب الإسرائيلية أثناء الحرب على غزة 2008، وبقي هو وحيدا حينها.

سؤال..؟!!
وما زالت آلة الحرب الإسرائيلية تتخبط في مهاوي الردى لقلة حيلتها وغرورها وانعدام إنسانيتها باستهداف الأطفال وبيوت العبادة والنساء والمسنين والمؤسسات الخيرية التي تخفف عن الناس وطأة الحصار واشتعال الأسعار وغياب المرتبات. ولشدة غطرستها تلوم علينا أي محاولة للدفاع المشروع عن النفس والأرض والعرض ردا على كل هذا الهجوم العنيف وغير المبرر.


بودي لو أن أحدا يسأل بنيامين نتنياهو سؤالاً: "تخيل، يابيبي، لو انك في بيتك الوثير مع زوجك وأطفالك تجلسون بدفء، ثم تباغتكم عصابة وتهاجمكم وتجذبكم من ياقاتكم السوداء والحمراء وتطردكم خارجا وتستولي على المكان بفرض القوة، ماذا سيكون ردك حينها.؟! وتخيل لو انك تقدمت ببلاغ للشرطة لإثبات  الحق والحالة فاعتدوا عليك وأوسعوك ضربا وصلبا وشنقا، كيف سيكون حالك حينها..؟!!"

ليست هناك تعليقات: