الخميس، 7 مايو 2015

أسماك الفيلية "مسرطنة".. دول الجوار منعتها وغزة تنتظر التحاليل!!




الرأي – أميمه العبادلة:
مشهد طبيعي، في غزة، أن تجد المواطنين متوافدين على شراء الأسماك المجمدة بينما تكون ساحة المشهد شبه خالية في أماكن بيع الطازج، والسبب ضيق ذات الحال وعدم مقدرتهم على الشراء، في ظل ارتفاع الأسعار وشح الأسماك الطازجة جراء تكالب الحصار "الإسرائيلي" المفروض على القطاع منذ أكثر من ثمانِ سنوات، واستهداف الصيادين، وأزمة حكومة الوفاق التي لم تعترف بموظفي ووزارات غزة بعد وما تبعه من أنصاف مرتبات غير المنتظمة، حالت بينهم وبين شراء أساسيات صاروا يعتبرونها رغما عنهم من الكماليات.

قد يتبادر إلى أذهاننا تساؤلات على شاكلة: ما مدى جودة هذه المجمدات؟ وكيف نتأكد أنها صحية رغم أنها مستوردة من الخارج وهذا يستلزم وقتا طويلا لنقلها عبر البحار؟ وهل لدى الجهات المختصة القدرة على فحصها ومراقبها بالشكل الذي يضمن صلاحها لنا؟ وما سبب منع دول الجوار، مؤخرا لاستيرادها؟



لذيذ ورخيص

حاولنا استطلاع آراء المواطنين بعجالة حول مدى إقبالهم على شراء المجمدات من أسماك ولحوم والتي تزداد تزامنا مع قرب شهر رمضان، وما السبب الكامن في تفضيلهم لها على قرينها الطازج:

قال الحاج أبو علي: "إن اللحوم المجمدة رخيصة الثمن وفي متناول اليد وهي تتناسب مع أوضاعنا الاقتصادية الصعبة"، متابعاً: "لو أن ظروفنا المادية أيسر حالا لما تناولنا إلا الطازج".

كان رأي السيدة منى مختلفا، حيث أخبرتنا: "لا أدخل اللحوم المجمدة إلى بيتي مهما كان لأنني أخاف من مصدرها ومن سوء تخزينها، أما الأسماك المجمدة فنتناولها بكثرة خصوصا الفيلية الأبيض لزهد ثمنه من ناحية ولسهولة إعداده من ناحية أخرى، خصوصا أنه يناسب الصغار لعدم وجود الحسك به".

من جهتها قالت السيدة ميار وهي أم لطفل حديث الولادة: " أنا أحب السمك كثيرا لكن ظروفنا المادية صعبة للغاية وزوجي عامل متعطل عن العمل حاليا، وأنا أعمل في مؤسسات لمشاريع قصيرة الأمد، لذلك من الصعب شراء السمك الطازج فنلجأ للمجمد لرخص ثمنه"، مستطردة: "منذ يومين كنت أشتري السمك مقطوع الرأس أو ما يعرف بـ"البكلاه" وتفاجأت بوجود بقع ملونه داخل اللحم وأنا أنظفه لكنني خجلت من إرجاعه للبائع مرة أخرى ولم أدري ما كان ذاك؟!".

أما طارق فيؤكد أنه معتاد منذ صغره أن يتناول الدجاج البلدي الذي تربيه والدته في حديقة المنزل معللاً أنه يعرف جيداً نوعية الغذاء المقدم له ويضمن خلوه من الإضافات والهرمونات، أما بالنسبة للأسماك فوجهة نظره أن البحر طاهر يطهر كل ما فيه.

أما منى صالح فأكدت أنها عزمت على أن لا تشتري من أسماك "البكلاي" مرة أخرى لأنها شاهدت نوعا من الطفيليات كالديدان الصغيرة داخل اللحم وقالت: "هذه الأمور لن يلاحظها إلا من يعرف شكل الطفيليات وهذا له علاقة بدراستي، وعندما بحثت على الإنترنت صُعقت مما شاهدته من مصادر هذه الأسماك وكيف أن كل الدول الأجنبية والعربية منعت استيرادها تماما".



التأمين

أكد رئيس مجلس إدارة شركة الدمياطي للمواد الغذائية خميس الدمياطي لـ"الرأي" على أنهم يستوردون الأسماك واللحوم من الهند، وفيتنام، والبرازيل، والأرجنتين بموجب ما تسمح به السلطات الإسرائيلية، قائلا: "نحن نتعامل مع شركات تصدير ومصانع للمواد الغذائية بموجب تعاقد وتأمين يحميني كمستورد من أي خلل أو ضرر في المنتج، والباقي من مسئوليات وزارتي الصحة والاقتصاد".

وأضاف الدمياطي: "عادة تحتاج الشحنة لما يقارب الـ40 يوماً في البحر لتصل إلى غزة، مع التزام الشركة المصدرة بتوفير التبريد والتجميد اللازم لحفظ الأسماك والمجمدات من التلف"، مردفا: "يهمني أن تكون المواد الغذائية التي أقوم باستيرادها سليمة وصحية تماما أولا من أجل الحفاظ على سمعتي في السوق المحلية، ومن ثم لسلامة وصحة أبناء بلدي وأخوتي".

أما عن آلية اختيار المنتج وإعداده للاستيراد، قال الدمياطي: "ذهبت للمصدر مرة واحدة واتفقنا على الآلية والكمية التي نحتاجها، ومن ثم وقعنا عقد دائم"، مكملا: " أتواصل مع المصدر هاتفيا لطلب شحنات جديدة، نظرا لصعوبة السفر بسبب إغلاق المعابر معظم الوقت".

من جهته قال مدير المشتريات في الشركة إسماعيل الدمياطي: "نسافر كلما سنحت الفرصة لحضور مؤتمرات ومعارض دولية في دبي، وألمانيا، وفرنسا، وهناك نجتمع برؤساء شركات عالمية، ونكتفي في حينه على عقد صفقات لاستيراد منتجات غذائية، حيث أن إغلاق المعابر المتواصل يحول بيننا وبين التواصل ومتابعة كل شركة على حدى في البلدان المختلفة".



حقائق صادمة

ما لا يعرفه الكثيرون في قطاع غزة أن الأسماك المجمدة والموجودة بكثرة في أسواقنا الغزية تم منعها مؤخرا من قبل أغلب الدول العربية بعد ظهور المحامي الأردني طارق أبو الراغب الذي فجر تحقيقاً استقصائيا مدعما بالوثائق والحقائق أثبت أن جميع أسماك الفيلية، والأسماك مقطوعة الرأس المستورد من دول كـ: الأرجنتين، والبرازيل، والصين، وفيتنام يتربى في مجارير ومكبات للنفايات الصلبة، ومسرطن، وغير صالح للاستهلاك الآدمي.

كان لهذا الأمر تأثير قوي بحيث قامت الأردن بمنع استيراد أسماك الفيلية وأسماك الباسا مقطوعة الرأس والمعروفة لدينا باسم "البكلاي" تماماً، وأتلفت السلطات اللبنانية، تِباعاً، 60 شاحنة قبل ستة أشهر من الآن، وتلتها دول الخليج في المنع.



بداية القصة

بداية القصة مع المحامي الأردني طارق أبو الراغب، كما رواها لـ"الرأي": "منذ أكثر من عام وأنا أبحث في ملف الغذاء والدواء مع المختصين لصالح برنامج محلي كنت أقدمه في الأردن، يتحدث عن أسباب انتشار كثير من الأمراض المستعصية، والخبيثة، وأمراض الضعف الجنسي"، مكملا: "هالني كيف أن النسب تفوق الـ 80% بسبب الغذاء الفاسد في الوطن العربي، هذا الأمر دفعني للبحث لأكتشف أن العرب يقتلون يوميا بالغذاء أكثر من الحروب، وكان الغذاء المستورد هو السبب في انتشار السرطان، ونقص فيتامين ب12، وهشاشة العظام وغيرها من أمراض العصر".

أكد أبو الراغب أنه من خلال بحثه وتقصيه ميدانيا اكتشف وجود ما يسمى بسوق قمامة عالمي يبيع للعرب، فقط، من الخليج إلى المحيط، وأن الموردين هم ذاتهم لكل البلدان العربية، لافتا النظر إلى أنه وجد أن أسماك الفيلية تُربى في أكثر أنهار العالم قذارة، حيث أن النهر المذكور يعتبر مكب لمخلفات المصانع، ومخلفات البشر العضوية.

ويصف أبو الراغب هذا السمك قبل تقشيره بأنه كالـقمامة وحتى يتم تصديره يقوم المردون بتنظيفه وتبييض لحمه داخل فيتنام باستخدام بمادة تسمى (ملاكايت جرين)، موضحا أن هذه المادة ممنوعة عالميا، لأنها سبب رئيس للسرطان.

وقال أبو الراغب: "فحصت هذا السمك على نفقتي الخاصة فكانت النتيجة أنه مسرطن بنسب مسممة وعالية جدا، أما بالنسبة للسمك مقطوع الرأس يتم استيراده من الأرجنتين ذات الشواطئ الملوثة وتقوم الحكومة هناك بدفع مال للتجار لتنظيف الشواطئ من وجوده لكن التجار الانتهازين يأخذوه ليباع للدول العربية غير مكترثين بالأثر السلبي له".

خطورة هذا الأمر دفعت الحكومة الأردنية لمنعه تماما، كما وسارت لبنان، وباقي الدول على ذات الخطى، وأبو الراغب مصر على أن الأمر ما هو إلا استهداف ممنهج للمواطن العربي، متسائلا: "كيف تمنع إسرائيل استخدام مادة الببسين في البيبسي وتسمح لنا باستيرادها واستخدامها؟!، كما أن هذه اللحوم التي نتحدث عنها لا تباع في أسواقها ولافي الأسواق الأوروبية، بينما تدخل بتسهيلات كبيرة لأسواقنا العربية، أليس في هذا ما يدعونا للتساؤل؟!".


الملاكايت جرين

قبل الخوض في سؤال جهات الاختصاص كان لا بد من البحث مليا عبر شبكة الإنترنت عن مادة الـ (ملاكايت جرين Malachite Green) فوجدنا عدة أبحاث ومواقع علمية رسمية تعرفه بأنه عامل مضاد للفطريات يستخدم لتطهير الأحواض المخصصة لتربية أسماك الزينة، ولم يوافق عليه دوليا ليستخدم مع الأسماك المعدة للاستهلاك الآدمي نظراً لأن هذه المادة مسرطنة وسامة، حيث يزول أثره بعد فترة بينما يبقى تأثيره في الأنسجة اللحمية للسمك.

وتؤكد الأبحاث العلمية، التي اطلعنا عليها، وجود عواقب صحية سلبية خطيرة من استهلاك البشر للأسماك التي تحتوي على كميات ضئيلة من هذه المادة، كما وبينت هذه الدراسات أن كندا تحظر هذه المادة تماما منذ عام 1992. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية حظرت استيراد أي أسماك من الصين وتايوان منذ عام 2005 لذات السبب.

ما قام أبو الراغب بعرضه عبر الشاشات من عينات مطابق تماما لما هو موجود فعليا في أسواقنا الفلسطينية من أسماك الفيلية المعبأة في الأكياس الزرقاء والبيضاء، والأسماك مقطوعة الرأس والتي تدل على أن المصدر واحد عندنا وفي الأردن، ولبنان، ودول الخليج. وعليه، كان من الضروري طرح الأمر على المسئولين عندنا للوقوف على ردة فعل الحكومة.



منعنا وأفرجنا

لزيادة التأكيد هاتفنا د. محمود حميد رئيس قسم مراقبة الأغذية في وزارة الصحة، فكان رأيه أن تربية أسماك الفيلية في برك خاصة لتتغذى من الطبيعة أمر عادي، أما بالنسبة لمادة (ملاكايت جرين) فيرى أنها مادة مطهرة والخطورة منها إن استخدمت بتركيز عالٍ، فقط.

وقال د. حميد: "لقد أثير هذا الموضوع قبل نحو عامين وقمنا فعليا بإيقاف دخول الأسماك المجمدة حتى يأتي لنا كل مستورد ببيانات وثبوتيات تؤكد سلامة الصنف المستورد، وعندما لم نستطع أن نثبت شيئا تم السماح مجددا"، مشيرا إلى أن المعمول به في غزة هو الاعتماد الجانب الإسرائيلي والعينات التي يأخذها للتأكد من سلامة المنتج وصلاحية استهلاكه آدمياً.

وقال د. حميد: "الجهة المسئولة في وزارة الصحة تقوم بإجراء نفس الفحوصات، لكن للأسف لا توجد لدينا تقنية فحص تحدد المواد السمية في اللحوم"، مطمئنا المواطنين أنه متى ما ثبت العكس فإن المنع قرار لا هوادة فيه.

ولفت د. حميد أن وزارة الصحة قامت سابقاً بمنع استيراد هذا النوع من الأسماك المجمدة منذ عدة أعوام إثر انتشار مرض في الصين، ومنع استيراد اللحوم إبان فترة انتشار مرض جنون البقر، لكن تم السماح مجددا بعيد انتهاء سبب المنع مع اشتراط الوزارة أن يحصل المستورد على إثباتات من المذابح والمصانع في الخارج فنيا ورقابيا وبيطريا ودينيا تفيد بملائمة المنتج".


نحتاج للتطوير

في سياق متصل، أكد مدير عام الخدمات البيطرية في وزارة الزراعة د. زكريا الكفارنة على وجود برنامج مراقبة سلامة الأغذية لدى الوزارة، قائلا: "لا يتم الاكتفاء عادة بالشهادات المرفقة بل يتم إجراء تحاليل مكروبيولوجية قبل السماح للمنتج الغذاء بالدخول للقطاع، لكن المختبرات الطبية في غزة بحاجة ماسة للتطوير وهذا ما يدفعنا بالاستعانة بمختبرات خاصة في الجامعات، أو عن طريق منظمة الصحة العالمية".

وبين د. الكفارنة أن حجم الاستيراد في قطاع غزة يبلغ حوالي 4000 طن موزعة ما بين 3000 طن لحوم مجمدة و1000 طن أحشاء داخلية، مرجعا سبب استيراد الأسماك للحصار، واستهداف الصيادين الأمر الذي حد من صيد الأسماك الطازجة ودفع المواطن للتعامل مع المجمد منها.



تحت المجهر

وفي السياق ذاته، تلقينا ذات التطمين من قبل وكيل مساعد وزارة الاقتصاد الوطني د. عماد الباز، بأن جميع المواد الغذائية المجمدة والمستوردة من الخارج تمر بالفحوصات اللازمة في مختبرات خاصة وتابعة للوزارة، مؤكدا على أنه يتم التحفظ وإتلاف أي كمية يثبت بالفحص أنها غير صالحة.

وأصر د. الباز بقوله: "نوع الفحص عندنا يحدد هل هي صالحة للاستهلاك الآدمي أم لا، وعادة لم نعهد وجود مشاكل بهذا الخصوص من قبل، ولو ثبت لنا وجود الضرر ولو بنسبة بسيطة فلن نسمح بإدخال أي منتجات وسيتم محاسبة المسئولين"، منوها إلى قلقه من خطورة الموضوع المطروح ووجوب متابعته بجدية وحزم.

وعزا د. الباز تقصير الوزارة في متابعة التجار وعملية الاستيراد من المصدر بسبب الاحتلال، والحصار، والظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها وزارات قطاع غزة، لافتا إلى أن المعمول به في "إسرائيل"، على سبيل المثال، أن يسافر التاجر برفقة مندوب حكومي، ورجل دين للبلد المنوي الاستيراد منه للتأكد من أن الذبح يتم وفقا للشريعة الخاصة بهم.

ووافقه الرأي مدير عام حماية المستهلك، ومؤسسة المواصفات والمقاييس في وزارة الاقتصاد الوطني د. رائد الجزار بأن الوزارة عكفت حاليا على إجراء فحوصات مخبرية لعينات عشوائية للتثبت من صلاحية هذه الأسماك، لافتا أن هناك تعاون مشترك بين وزارة الاقتصاد ووزارتي الصحة والزراعة بهذا الخصوص، وستكون خلال الأيام القادمة ورشة عمل تضم التجار والمستوردين سيتمخض عنها نتائج وحلول جذرية.

قبل أن تُلام وزارة بعينها يتوجب على أصحاب القرار في المجلس التشريعي الإيعاز بسن قوانين وتشريعات صارمة بحق أصحاب رؤوس الأموال من التجار المستوردين للبضائع كي يستوردوا سلعاً ذات مواصفات وجودة لا تقل عن المستوى الطبيعي للدول المتقدمة، بحيث تتناسب مع المواطن ولا تضر بالصحة العامة دون أن تخالف المواصفة الفلسطينية.


مع عدم التذرع بضيق الأحوال الاقتصادية التي تحول دون استطاعة المستهلك شراء الطازج والاستعاضة عنه بالمجمد رخيص الثمن، فهذا يكبد الحكومة أموالا طائلة تُدفع لعلاج الأمراض المستعصية كالسرطان، والكبد الوبائي، وغيرها في مستشفيات الخارج؛ في حين أن الوطن أولى بهذه الأموال لبناء جيل صحي وسليم يخلو من الأمراض.

ليست هناك تعليقات: